والأول إما أن يكون تلك الواسطة بحيث لا تغيب عن الذهن عند حضور الأطراف أو لا تكون كذلك، والأول هي الفطريات وتسمى قضايا قياساتها معها[1]، والثاني إما أن يستعمل فيه الحدس، وهو انتقال الذهن من المباديء إلى المطالب، أو لا يستعمل، فالأول الحدسيات[2] والثاني إن كان الحكم فيه حاصلاً بإخبار جماعة[3] يمتنع عند العقل تواطؤهم[4] على الكذب فهو المتواتِرات،
[1]قوله: [قياساتها معها] صفة للقضايا، معناها القضايا التي دلائلها ملحوظة معها بلا احتياج إلى شيء غير حاصل بملاحظة الطرفين، نحو: الأربعة زوج بالجزم بواسطة الانقسام إلى المتساويين هو الملحوظ مع مفهومي الطرفين، فكأنه قيل: الأربعة منقسم بمتساويين، وكلما كان هكذا فهو زوج. (تحفة)
[2]قوله: [فالأول الحدسيات] الحدس هو سرعة الانتقال عن المباديء إلى المطالب، ويقابله الفكر؛ فإن الفكر حركة الذهن نحو المباديء ورجوعها إلى المطالب، فلا بد فيه من حركتين؛ فإنا إذا أردنا إدراك الإنسان فتأملنا فيه وجدنا مباديه كالحيوان والناطق، ثم رتّبناهما بأن قدّمْنا العامَّ على الخاص وانتقلنا منه إلى الإنسان فههنا حركتان تدريجيتان: الأولى من المطلوب أي: الإنسانِ إلى مباديء أي الحيوانِ والناطق، والثانية من المباديء إلى الإنسان، فمجموع الحركتين هو الفكر بخلاف الحدس؛ إذ لا حركة فيه أصلا، بل هو مجموع الانتقالين الدفعيين من المطالب إلى المباديء ومنها إلى المطلوب. والانتقال ليس بحركة؛ فإن الحركة تدريجيية الوجود أي: زماني، والانتقال فيه آني الوجود، وحقيقية أن يسنح المباديء المرتبة في الذهن، فيحصل المطلوب فيه، ومثاله: نور القمر مستفاد من نور الشمس، فإنا نجزم به بعد ملاحظة اختلاف أشكال القمر باختلاف أوضاعه من الشمس قربا وبعدا ولتلاحظ الترتيب بين المقدمات. (تحفة)
[3]قوله: [بأخبار الجماعة] قال بعضهم: إن العدد شرط في المتواترات وبيّن عددَ المتواترين وهو أربعة أو خمسة أو سبعة أو إثنا عشر أو عشرون أو أبعون أو خمسون أو سبعون أو ثلاث مئة، وهذا القول باطل؛ فإنا نعلم قطعا أنه يحصل لنا العلم بالمتواترات بواسطة أخبار المخبرين مع كونهم غير معدودين بالأعداد المذكورة، فإذا حصل اليقين فقد تمّ العدد، فربما يحصل عدد كثير ولا يحصل اليقين، وربما يكون العدد قليلا ويحصل اليقين بسبب عدالة المخبرين. (تحفة)
[4]قوله: [تواطؤهم] أي: توافقهم أي: بلغ عدد المخبرين إلى حد يحصل به اليقين، وهو يختلف باختلاف الحوادث وأحوال المخبرين. (تحفة)