التمكّن عبارة عن نفوذ بعد في آخر متوهّم أو متحقّق يسمّونه المكان. والبعد عبارة٠[1]٠ عن امتداد قائم بالجسم أو بنفسه عند القائلين بوجود الخلاء، والله تعالى منـزه عن الامتداد والمقدار لاستلزامه التجزّي، فإن قيل٠[2]٠: الجوهر الفرد متحيّز ولا بعد فيه وإلاّ لكان متجزّياً، قلنا: المتمكّن أخصّ من المتحيّز٠[3]٠؛ لأنّ الحيز هو الفراغ المتوهّم الذي يشغله شيء ممتدّ أو غير ممتدّ، فما ذكر دليل على عدم التمكّن في المكان، وأمّا الدليل على عدم التحيّز فهو أنه لو تحيّز فإمّا في الأزل فيلزم قدم الحيّز٠[4]٠، أو لا فيكون محلاًّ للحوادث٠[5]٠
[1]قوله: [والبعد عبارة... إلخ] قال العلاّمة عبد الحكيم: تعريف البعد بالإمتداد القائم بالجسم أو بنفسه إنما هو للبعد الموجود الذي أثبته الحكماء, حيث قالوا بوجود المقدار؛ إذ القيام إنما يتصوّر فيه. وأمّا تعريف البعد بالموهوم الذي هو لا شيء محض, كما هو مذهب المتكلّمين النافين للمقدار, فيعرف بالمقايسة عليه بأن يقال: البعد امتداد موهوم مفروض بالجسم, أو في نفسه صالح لأن يشغله الجسم وينطبق عليه بعده الموهوم. ١٢
[2]قوله: [فإن قيل] منشأ هذا السؤال أن المتمكّن والمتحيّز متساويان. ١٢
[3]قوله: [أخصّ من المتحيّز] أي: بينهما عموم وخصوص مطلقاً ليس بتساوٍ, فما ذكر إنما هو دليل على عدم التمكّن, وأمّا عدم تحيّزه تعالى فله دليل آخر. ١٢
[4]قوله: [فيلزم قدم الحيّز] لأنّ التحيّز نسبة بين المتحيّز والحيّز, وأزليّة النسبة تستلزم أزليّة المنتسبين, فيلزم أن يكون الحيّز أزليّاً وهو محال. ١٢ "ر"
[5]قوله: [فيكون محلاًّ للحوادث] لأنّ الحصول في الحيّز من الأكوان, والأكوان من الموجودات العينيّة عند المتكلّمين, قاله الخيالي، وقال العلاّمة عبد الحكيم: لِمَا مرّ من أنّ المتكلّمين وإن أنكروا الأعراض النسبيّة بأسرها إلاّ أنهّم قالوا بوجود الأكوان الأربعة: الحركة والسكون والاجتماع والافتراق. ١٢