العلم بالصدق عقيب ظهور المعجزة, وإن كان عدم خلق العلم ممكناً في نفسه٠[1]٠, وذلك كما ادّعى أحد بمحضر من جماعة أنه رسول هذا الملك إليهم، ثُمّ قال للملك: إن كنت صادقاً فخالف عادتك وقم من مكانك ثلاث مرّات ففعل, يحصل للجماعة علم ضروريّ عاديّ بصدقه في مقالته، وإن كان الكذب ممكناً في نفسه، فإنّ الإمكان الذاتِيّ بمعنى التجويز العقليّ٠[2]٠ لا ينافي حصول العلم القطعيّ, كعلمنا بأنّ جبل أحد لَم ينقلب ذهباً, مع إمكانه في نفسه فكذا هاهنا يحصل العلم بصدقه بموجب العادة؛ لأنهّا أحد طرق العلم كالحسّ، ولا يقدح٠[3]٠ في ذلك إمكان كون المعجزة من غير الله تعالى٠[4]٠, أو كونها لا لغرض التصديق٠[5]٠, أو كونها لتصديق
[1] قوله: [ممكناً في نفسه... إلخ] وقالت المعتزلة: خلق المعجزة على يد الكاذب مقدور له تعالى, لكنّه ممتنع وقوعه في حكمته؛ لأنه فيه إيهام صدقه وهو إضلال قبيح من الله تعالى, فيمتنع صدوره عنه كسائر القبائح, وقال الشيخ الأشعريّ وبعض أصحابه: إنّه غير مقدور في نفسه؛ لأنّ لها دلالة على الصدق قطعاً, قاله في "المواقف". ١٢
[2] قوله: [بمعنى التجويز العقليّ] قيّد بذلك؛ لأنّ أهل العرف يطلقون الإمكان على ما لا يخالف العادة, وهو أخصّ من الذاتي؛ لأنّ تكلّم الصبيّ ممكن بالذات لا في العرف, والإمكان العرفيّ ينافي حصول العلم القطعيّ. ١٢ "ن"
[3] قوله: [لا يقدح... إلخ] لأنّ الاحتمالات العقليّة لا تنافي العلم العاديّ, هذا هو الجواب الإجمالي. ١٢
[4] قوله: [من غير الله تعالى... إلخ] كالنبيّ أو الملك أو الشيطان, وذلك لأنه قد تقدّم أنه لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله فالمعجزة لا تكون إلاّ فعلاً له تعالى لا لغيره, كذا يستفاد من "المواقف". ١٢
[5] قوله: [لا لغرض التصديق] وذلك لأنّا لا نقول بأنّ خلق المعجزة لغرض التصديق؛ لأنّ أفـعاله تعالى
عندنا غير معلّلة بالأغراض, بل نقول: إنّ خلقها على يد المدّعي يدلّ على تصديق له قائم بذاته. ١٢ "شرح المواقف".