للتمنّع والتعزّز بحجاب الكبرياء، وإن جعلنا الإدراك عبارة عن الرؤية على وجه الإحاطة٠[1]٠ بالجوانب والحدود فدلالة الآية على جواز الرؤية بل تحقّقها أظهر؛ لأنّ المعنى أنه مع كونه مرئيًّا لا يدرك٠[2]٠ بالأبصار لتعاليه عن التناهي والاتّصاف بالحدود والجوانب، منها أنّ الآيات الواردة في سؤال الرؤية مقرونة بالاستعظام٠[3]٠ والاستكبار، والجواب: أنّ ذلك لتعنّتهم وعنادهم في طلبها، لا لامتناعها وإلاّ٠[4]٠ لمنعهم موسى عليه السلام عن ذلك، كما فعل حين سألوا أن يجعل لهم آلهة، فقال:﴿ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ ﴾[الأعراف:١٣٨] وهذا٠[5]٠ مشعر بإمكان الرؤية في الدنيا، ولهذا اختلفت الصحابة٠[6]٠ رضي الله
[1] قوله: [عن الرؤية على وجه الإحاطة] كما يقال: ½رأيته وما أدركه بصري¼ أي: لم يحط به من جوانبه. ١٢
[2] قوله: [مع كونه مرئيًّا لا يدرك] فالنفي لا يرجع إلى نفس الإدراك, بل إلى قيده أي: الإحاطة بالجوانب والحدود فإنّ النفيّ في المقيّد يعود غالباً إلى القيد, كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ ﴾[الأنبياء: ١٦]. ١٢
[3] قوله: [مقرونة بالاستعظام] كقوله تعالى: ﴿ وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ﴾[البقرة: ٥٥] وقوله تعالى: ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا ﴾[الفرقان: ٢١]. ١٢
[4] قوله: [وإلاّ] أي: وان لم يكن الاستعظام للتعنّت والعناد, بل لامتناع الرؤية. ١٢
[5] قوله: [وهذا] أي: عدم منع موسى عليه الصلاة والسلام عن طلب الرؤية. ١٢
[6] قوله: [ولهذا اختلفت الصحابة] أي: لأجل أنّ الرؤية في الدنيا ممكنة, اختلف الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في أنّ النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم هل رأى ربّه ليلة المعراج؟, فذهب بعض الصحابة إلى أنه صلّى الله تعالى عليه وسلّم رأى ربّه بعينه, منهم ابن عبّاس وأبو ذرّ وكعب, والحسن وكان يحلف على ذلك, وحكي مثله عن ابن مسعود وأبي هريرة وأحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنهم, وأمّا عائشة رضي الله تعالى عنها فأنكرته, وجاء مثله عن أبي هريرة وجماعة وهو المشهور عن ابن مسعود وجماعة من المحدّثين رضي الله تعالى عنهم, كذا في ”شرح مسلم للنوويّ“.