جماد لا حياة له٠[1]٠ ولا إدراك، فتعذيبه محال. والجواب: أنه يجوز أن يخلق الله تعالى في جميع الأجزاء أو في بعضها نوعاً من الحياة قدر ما يدرك ألم العذاب أو لذّة التنعيم، وهذا لا يستلزم إعادة الروح٠[2]٠ إلى بدنه, ولا أن يتحرّك ويضطرب أو يرى أثر العذاب عليه، حتى أنّ الغريق في الماء والمأكول في بطون الحيوانات و المصلوب في الهواء يعذّب وإن لم نطّلع عليه، ومن تأمّل في عجائب ملكه وملكوته وغرائب قدرته وجبروته لم يستبعد٠[3]٠ أمثال ذلك فضلاً عن الاستحالة، واعلم أنه لَمَّا كان أحوال القبر
[1] قوله: [جماد لا حياة له] جوّز بعضهم تعذيب غير الحيّ, ولا شكّ أنّه سفسطة، وأمّا تعذيب المأكول بخلق نوع من الحياة في بطن الآكل فواضح الإمكان, كدودة في الجوف وفي خلال البدن, فإنهّا تتألمّ وتتلذّذ بلا شعور منّا. ١٢ "خيالي".
[2] قوله: [لا يستلزم إعادة الروح... إلخ] هذا جواب إشكال أورده المعتزلة مستدلّين بقوله تعالى: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلۡمَوۡتَ إِلَّا ٱلۡمَوۡتَةَ ٱلۡأُولَىٰ﴾[الدخان: ٥٦]؛ إذ لو أعيد الروح في القبر يوجب أن يذوقوا موتاً ثانياً قبل البعث، وحاصل الجواب أنّ المستلزم لإعادة الروح إنما هو الحياة الكاملة, وأمّا إدراك الألم واللذة فيمكن أن يحصل بأدنى تعلّق للروح بالبدن, سواء كان الروح فوق السماء السابعة أو محبوساً في سجّين. ١٢ "ن"
[3] قوله: [لم يستبعد... إلخ] قال الإمام الغزاليّ قدّس سرّه: الأصحّ والأسلم أن تصدّق بأنّ الحيّة مثلاً موجودة تلدغ الميت, ولكنّا لا نشاهد ذلك, فإنّ هذه العين لا تصلح لمشاهدة تلك الأمور الملكوتيّة, وكلّ ما يتعلّق بالآخرة فهو من عالم الملكوت, ألا ترى أنّ الصحابة كيف كانوا يؤمنون بنـزول جبرئيل وما كانوا يشاهدون, ويؤمنون بأنّه صلّى الله تعالى عليه وسلّم يشاهده، فإن كنت لا تؤمن بهذا فتصحيح الإيمان بالملائكة والوحي أهمّ عليك, وإن آمنت به وجوّزت أن يشاهد النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلّم ما لا يشاهده الأمّة, فكيف لا تجوز هذا في الميّت. ١٢ "دواني على العقائد".