والأحاديث٠[1]٠ في هذا المعنى كثيرة، والمعتزلة يخصّصونها بالصغائر وبالكبائر المقرونة بالتوبة، وتمسّكوا بوجهين: الأوّل: الآيات٠[2]٠ والأحاديث الواردة في وعيد العصاة، والجواب٠[3]٠: أنهّا على تقدير عمومها إنما تدلّ على الوقوع دون الوجوب، وقد كثرت النصوص٠[4]٠ في العفو فيخصّص المذنب المغفور عن عمومات الوعيد، وزعم بعضهم٠[5]٠ أنّ الخلف في الوعيد كرم، فيجوز من الله تعالى، والمحقّقون على خلافه، كيف وهو تبديل للقول٠[6]٠، وقد قال الله تعالى: ﴿ مَا يُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَيَّ ﴾[ق: ٢٩]،
[1] قوله: [والأحاديث] كقوله عليه السلام: ½من علم أنيّ ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئاً¼ رواه في "شرح السنّة". ١٢ "ن"
[2] قوله: [الآيات... إلخ] كقوله تعالى: ﴿ وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنٗا مُّتَعَمِّدٗا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا ﴾[النساء: ٩٣], فلولم يعاقب على الكبيرة وعفا لزم الخلف في وعيده, والكذب في خبره وإنهما محالان. ١٢
[3] قوله: [والجواب... إلخ] حاصله أنّا لا نسلّم عموم الآيات والأحاديث الواردة في وعيد العصاة للمسلمين والكافرين, بل المراد بعض العصاة وهم الكفّار وبعض فسّاق المؤمنين, وإن سلّمناه فإنما هي تدلّ على مجرّد الوقوع لا الوجوب الذي كلامنا فيه. ١٢
[4] قوله :[وقد كثرت النصوص... إلخ] جواب آخر ما محصله أنّا لو سلّمنا أنّ نصوص الوعيد عامّة، فنقول: إنها من العامّ الذي خصّ منه البعض, فإنّ كثيرا من النصوص قد ورد في عفو العصاة وغفرانهم أيضاً, فلا بدّ أن يخصّص المذنب المغفور من عمومات الوعيد ليمكن الجمع بين النصوص في حقّ العمل. ١٢
[5] قوله: [زعم بعضهم... إلخ] أي: بعض أهل السنّة, وهذا أيضاً جواب آخر حاصله أنّ الكذب القبيح هو الخلف في الوعد لا في الوعيد؛ لأنّه ينبئ عن العفو والكرم وهو محمود. ١٢
[6] قوله: [هو تبديل للقول] بل هو كذب منتفٍ في حقّه تعالى بالإجماع, قال العلاّمة الخيالي: لعلّ مرادهم
أنّ الكريم إذا أخبر بالوعيد فاللائق بشانه أن يبني إخباره على المشيئة, وإن لم يصرّح بذلك بخلاف الوعد, فلا كذب ولا تبديل, انتهى. قال المجدّد الأعظم الإمام أحمد رضا خان قدّس سرّه: ما محصله أنّ العلماء المجوّزين لخلف الوعيد ما أرادوا به إلاّ عدم إيقاع ما أوعد به لطفاً وكرماً, وهو عين العفو أو مساو له وهذا المعنى قد انعقد الإجماع على وقوعه فضلاً عن الجواز, وأمّا الخلف بمعنى تبديل القول وتكذيب الخبر فهم يتحاشون عن ذلك, بل يقولون بامتناعه, فالخلف بمعنى التبديل محال بالإجماع فإذن لا نزاع إلاّ في إطلاق لفظ الخلف في جنابه تعالى, فالمجوّزون زعموا أنّ الخلف في الوعيد إنما يدلّ على العفو والكرم وهو محمود, فقالوا بجوازه, والمحقّقون رأوا أنّ لفظ الخلف يوهم تبديل القول وهو محال فتحاشوا عن ذلك ومنعوه, هذا. والتفصيل في رسالته قدّس سرّه "سبحان السبّوح عن عيب كذب مقبوح". ١٢