وأمّا الثانية فهي أنّ الممكن لا يجوز أن يكون موجباً تامًّا للشيء؛ لأنّ موجبيته يتوقّف على الغير, أمّا الصغرى وهو توقّف موجبيته على موجوديته فضرورية لاستحالة كون المعدوم موجداً لغيره, وأمّا الكبرى وهي توقّف موجدية الممكن على غيره فظاهر؛ إذ الممكن بحسب ذاته لا يقتضي شيئاً من الطرفين, بل كلّ منهما بالغير وإلاَّ لم يكن ممكناً, بل واجباً أو ممتنعاً, فإذا تمهّد هاتان المقدمتان نقول: هاهنا موجود قطعاً, فإن كان واجباً فهو المطلوب, وإن كان ممكناً احتاج إلى موجب تامّ قطعاً, فإن كان ممكناً فهو باطل للمقدّمة الثانية فهو واحب, وهذا الدليل لطيف خفيف المؤنة, قد وفقت بفضل الله تعالى لاستخراجه.
وقد أورد عليه بعض من ذكر عنده هذا الدليل نقضاً إجماليًّا وهو أنّ الأفعال الاختيارية كالقيام والقعود والأكل والشرب وغيرها فاعلها هذا الشخص الممكن قطعاً عند المعتزلة فيكون الممكن موجداً لغيره.
أقول: الجواب الجدلي عن هذا النقض أنه على مذهب المعتزلة دون مذهبنا, لكنّ الأولى في الجواب أنّ المعتزلي غير قائل بأنّ الممكن موجب تامّ لأفعاله, بل مباشر قريب كيف, وفعله متوقّف على وجوده وعلى شرائط أخرى مِمَّا لا اختيار له فيه فلم يتمّ النقض والله أعلم.
قوله: [فقادراً] الفاء في قوله: ½فقادراً¼ للتفريع وصحّة التفريع على ما تقدّم ظاهر؛ لأنه لَمَّا ثبت وجوب الوجود استلزم ذلك الاتّصاف بجميع صفات الكمال, وصفة الكمال إنَّما هي القدرة دون الإيجاب والتفصيل أنّ الفاعل إمّا أن يكون فعله تابعاً للداعي, أو لا بل يكون مقتضى ذاته, والأوَّل يسمّى قادراً والثاني موجباً, والقدرة عن المتكلّمين عبارة عن صحّة الفعل والترك, والإرادة صفة مغائرة للعلم والقدرة توجب تخصيص أحد المقدورين بالوقوع دون الآخر, والظاهر من كلام المصنِّف أنه أراد بـ½القادر¼ غير المختار وهو ما يقول به الفلاسفة: من أنه إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل, ومقدّم الشرطية بالنسبة إلى وجود العالم دائم الوقوع, وبهذا ظهر إيراد قوله: ½فمختاراً¼ بعد ذكر القدرة.
قوله: [عالِماً] أقول: قد يطلق ½العلم¼ ويراد به مطلق الإدراك وهو الصورة الحاصلة من الشيء عند الذات المجرّدة استدلّ المتكلّمون على علمه تعالى بأفعاله المتقنة المحكمة التي يحار فيها الناظر