الثقات، مستغنين عن تدوين العلمَين٠[1]٠, وترتيبهما أبواباً وفصولاً، وتقرير مقاصدهما فروعاً وأصولاً إلى أن حدثت٠[2]٠ الفتن بين المسلمين، والبغي على أيِمّة الدين، وظهر اختلاف الآراء والميل إلى البدع والأهواء، وكثرت الفتاوى والواقعات والرجوع إلى العلماء في المهمّات، فاشتغلوا بالنظر والاستدلال, والاجتهاد٠[3]٠ والاستنباط, وتمهيد القواعد والأصول، وترتيب الأبواب والفصول، وتكثير المسائل بأدلّتها, وإيراد الشبه بأجوبتها، وتعيين الأوضاع والاصطلاحات، وتبيين المذاهب والاختلافات, وسَمَّوا٠[4]٠ ما يفيد
[1] قوله: [العلمين] أي: العلم المتعلّق بكيفيّة العمل والعلم المتعلّق بالاعتقاد. ١٢
[2] قوله: [إلى أن حدثت] متعلّق بالاستغناء بمعنى: أنه كانت هاتان الطائفتان العظيمتان مستغنين عن تدوين العلمَين إلى أن حدثت الفتن, فاحتاج بعضهم إلى التدوين حتى دوّن مالك من التابعين ½الفقه¼, ومن وجوه الاستغناء أنهم كانوا عارفين بدقائق الكتاب والسنّة بالسليقة أو ملازمة أصحاب السليقة, وكان يغنيهم الكتاب والسنّة عن تدوين العلمين، فلمّا حدثت الفتن وقلّ أصحاب الممارسة والفنّ, فكان يندرس معرفة دقائق الكتاب والسنّة, ولم يبق من أهلها إلاّ واحد واحد, دوّنهما لئلاّ ينطمس أثرهما، قاله بعض المحشّين.
[3] قوله: [الاجتهاد] ½الاجتهاد¼ في اللغة تحمّل الجهد، وفي الاصطلاح الفقهيّ استفراغ الفقيه الوسع ليحصل له ظنّ بحكم شرعيّ. و½الاستنباط¼ استخراج الأحكام من الأدلّة السمعيّة. ١٢
[4] قوله: [وسمّوا ما يفيد] أي: ما وضع لإفادة معرفة الأحكام, فلا يرد بعلم التفسير والحديث حيث يفيدان المعرفة, فإنهما لم يوضعا لذلك. قال العلاّمة عبد الحكيم: المعرّف في عبارة الشرح هو ½علم الفقه¼ بمعنى: نفس المسائل, فالمعنى سمّوا المسائل المدلّلة التي تفيد العلم بالأحكام العمليّة عن أدلّتها التفصيليّة بـ½الفقه¼, فلا يرد بأنّ الفقه نفس معرفة الأحكام لا ما يفيدها. ١٢