عليهم، وأمّا الإجماع فهو أنّ الأمّة كانوا مجمعين على وقوع الرؤية في الآخرة، وأنّ الآيات الواردة في ذلك محمولة على ظواهرها، ثُمَّ ظهرت مقالة المخالفين٠[1]٠ وشاعت شبههم وتأويلاتهم، وأقوى شبههم من العقليّات أنّ الرؤية مشروطة بكون المرئيّ في مكان وجهة ومقابلة من الرائي وثبوت مسافة بينهما بحيث لا يكون في غاية القرب ولا في غاية البعد واتّصال شعاع٠[2]٠ من الباصرة بالمرئيّ، وكلّ ذلك محال في حقّ الله تعالى، والجواب: منع هذا الاشتراط٠[3]٠، وإليه أشار بقوله: ٠فيرى لا في مكان ولا على جهة٠[4]٠ من مقابلة و اتّصال شعاع أو ثبوت مسافة بين الرائي وبين الله تعالى٠ وقياس الغائب على الشاهد٠[5]٠ فاسد، وقد يستدلّ على عدم الاشتراط برؤية الله
[1] قوله: [المخالفين... إلخ] هم طوائف من أهل البدع: المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة, كما قاله النووي, والجهمية واليهود كما قاله أبو شكور السالميّ في تمهيده، والظاهر أنّ الفرق كلّها مخالفة لأهل السنّة فيها سوى المجسّمة والكراميّة, سواء كانت روافض أو خوارج أو غير هما, كما صرّح به الكتب الكلاميّة. ١٢ "نظم"
[2] قوله: [واتّصال شعاع... إلخ] بحيث لا يكون ساتر بينهما. ١٢
[3] قوله: [منع هذا الاشتراط] ولا يلزم من كون تلك الأمور شرطاً في الرؤية على مجرى العادة في الدنيا أن تكون شرطاً للرؤية في الآخرة؛ إذ في قدرة الله تعالى أن يخلق في البصر قوّة يتمكّن بها من إدراك ذاته تعالى بدون تلك الشرائط, وعند الأشعريّ رحمه الله وأتباعه تلك الشرائط عاديّة, كما أخرج الشيخان مرفوعاً: ½أتِمّوا صفوفكم فإنّي أراكم من وراء ظهر¼. ١٢
[4] قوله: [ولا على جهة] قال شارح "العقيدة الطحاويّة": فهل يعقل رؤية بلا مقابلة, وفيه دليل على علوّه على خلقه, فتعقّبه الملاّ عليّ القاري في ”شرح الفقه الأكبر“ بما نصّه وكأنه قائل بالجهة العلويّة لربّه, ومذهب أهل السنّة والجماعة أنه سبحانه وتعالى لا يرى في جهة. ١٢
[5] قوله: [قـياس الغـائب عـلى الشاهد... إلخ] جواب ثانٍ على تقـدير الـتنـزّل وبيانه: أنّا لو سلّمنا هذا
الاشتراط, فإنّما هي شروط في هذه النشأة الدنيويّة فقط, أو في رؤية الجواهر والأعراض فقط, ويجوز أن يكون الحال في النشأة الأخرويّة وفي رؤية الحقّ سبحانه على خلاف ذلك, هذا ما ذهب إليه صاحب "النبراس", ويبدؤ مِمَّا قرّره المحقّق الدوانيّ في ”شرح العضديّة“ أنه متفرّع على ما ذكره المصنّف بقوله: ½فيرى لا في مكان... إلخ¼. ١٢