غير توبة والدعاء والاستغفار لهم, مع العلم بارتكابهم الكبائر بعد الاتّفاق على أنّ ذلك لا يجوز لغير المؤمن، واحتجّت المعتزلة بوجهين: الأوّل: أنّ الأمّة بعد اتّفاقهم على أنّ مرتكب الكبيرة فاسق, اختلفوا في أنه مؤمن وهو مذهب أهل السنّة والجماعة, أو كافر وهو قول الخوارج, أو منافق وهو قول الحسن البصريّ٠[1]٠، فأخذنا٠[2]٠ بالمتّفق عليه وتركنا المختلف فيه، وقلنا: هو فاسق ليس بمؤمن ولا كافر ولا منافق، والجواب: أنّ هذا إحداث للقول المخالف لما أجمع عليه السلف٠[3]٠ من عدم المنـزلة بين المنـزلتين، فيكون
[1] قوله: [وهو قول الحسن البصريّ] قال في "النبراس": المشهور أنّه يريد بذلك النفاق الذي هو الكفر المبطن, وأنا أستبعد ذلك؛ لأنّه من أوعية التفسير والحديث, فكيف يخفى عليه النصوص الناطقة بخلافه. والحقّ أنّ النفاق نوعان: نفاق في التصديق, وهو أشدّ أنواع الكفر, ونفاق في العمل وهو ترك الطاعة وعدم توافق الظاهر والباطن في خلوص العمل, وليس هذا بكفر وهو مراد الحسن البصريّ. ١٢
[2] قوله: [فأخذنا... إلخ] هذا ما قاله واصل بن عطاء لعمرو بن عبيد, فرجع عمرو إلى مذهبه كما في "المواقف", ولا يخفى أنّ إطلاق الفاسق على مرتكب الكبيرة بمعنى أنّه خارج عن الطاعة لا بمعنى أنّه ليس بمؤمن, والمعتزلة يطلقونه عليه بمعنى أنّه خارج عن الإيمان وليس هذا من المجمع عليه بل هو خرق للإجماع. ١٢
[3] قوله: [لما أجمع عليه السلف] لا يقال: لا إجماع مع مخالفة الحسن البصريّ، فإنّه قال مرتكب الكبيرة
منافق, ويلزم منه إثبات منـزلة بين المنـزلتين؛ لأنّا نقول: إنّ الحسن إنما أثبت المنـزلة بين الكفر المجاهر والإيمان, لا بين مطلق الكفر والإيمان, فإنّ النفاق كفر مضمر داخل في مطلق الكفر, فيكون نفي المنـزلة بين الكفر المطلق والإيمان مجمعاً عليه, كذا في "الخيالي" وحاشيته, هذا. ولا يخفى أنّه يلزم أن يكون مرتكب الكبيرة كافراً على هذا التقدير عند الحسن البصريّ, وأمّا ما قدّمنا من قول صاحب "النبراس" فيلزم منه أن يكون مؤمناً عنده رضي الله تعالى عنه.