ويجعلون مقدّم الشرطية الأولى واقعاً بل واجباً, ولا يخفى أنه بعينه معنى صحّة الفعل والترك, فظهر أنّ معنى الإيجاب هو اقتضاء الذات وجود العالم اقتضاء لا يتخلّف عنه فافهم, فإنّ هذا التحقيق له تفصيل كثير ليس هذا موضعه, فإنّه مقام الاختصار, وعسى أن يكون له عود.
قوله: [حيّ... آهـ] ½الحيّ¼ عند الحكماء الدرّاك الفعّال, وعند الأشاعرة صفة قديمة قائمة بذاته يقتضى صحّة العلم والقدرة, وقال أكثر المعتزلة: إنّها حالة زائدة على ذاته يستتبع بها العلم والقدره.
قوله: [سميع بصير... آهـ] قد دلّت الحجج السمعية على أنه تعالى سميع بصير, وليس في العقل ما يصرفها وظواهرها فيجب الاحتراز بها, وإليه أشار بقوله: ½للتواتر¼, فإنّه مذكور في القرآن, والقرآن متواتر بأنه تعالى عالم بالمسموعات والمبصرات فيكون عالِماً بهما حال حدوثها وهو المعنى بكونه سميعاً.
قوله: [متكلّم…آهـ] أقول: الدليل على أنه تعالى متكلّم الخبر المتواتر وهو يفيد العلم اليقيني, والمراد بالخبر المتواتر إمّا القرآن حيث قال: ﴿ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا ﴾ [النساء : ١٦٤] أوالإجماع المتواتر إلينا, فإنّ الأنبياء كلّهم أجمعوا على ذلك, ثُمّ إنّ المصنّف دفع شبهة المعتزلة بقوله: ½حقيقة¼ والتفصيل موقوف أوَّلاً على تحرير الدليل حتّى يتأتّى القدح والدفع, فنقول: إنّ الكلام مسند إليه تعالى, وكلّ مسند إليه تعالى فهو صفة أزلية له, فالكلام صفة أزلية, فإن قلت: ثبوت الشرع موقوف على ثبوت الكلام, وثبوته موقوف على ثبوت الشرع فلزم الدور, قلت: ثبوت الشرع إنّما يتوقّف على الكلام اللفظي دون النفسي وإنّ الشرع الذي يتوقّف ثبوته على ثبوت الكلام اللفظي هو الكتاب, وأمّا السنّة فلا نحن نستدلّ بالسنّة المتواترة وهذا هو الظاهر من كلام المصنّف, فإنّ التواتر أكثر ما يستعمل في السنّة غاية ما في الباب أنّ السنّة يتوقّف ثبوتها على إثبات الصانع العليم القدير, وإثبات النبوّة بما سوى الكتاب من المعجزات, وأورد المتعزلة هاهنا شبهة هي أنا لا نسلّم أنه تعالى أسنده إلى ذاته حقيقة لم لا يجوز أن يراد خلق الكلام على سبيل المجاز سواء في الطرف أو النسبة, وأجيب عنه: بأنّ الحقيقة أصل والمجاز فرع, فلا يحتاج إلى دليل لإرادة الحقيقة إنّما الدليل على من أراد غير المعنى الأصلي, ثُمّ اعلم أنّ هاهنا قياسين متلازمين, أحدهما: أنّ الكلام صفة له, وكلّ ما هو صفة له فهو قديم, فالكلام قديم, وثانيهما: أنّ الكلام مركب من الحروف المتعاقبة في الوجود, وكلّ