فإن قيل٠[1]٠: السبب المؤثّر في العلوم كلّها هو الله تعالى؛ لأنها بخلقه وإيجاده من غير تأثير للحاسّة, والخبر والعقل، والسبب الظاهريّ كالنار للإحراق هو العقل لا غير، وإنما الحواسّ والأخبار آلات وطرق٠[2]٠ في الإدراك، والسبب المفضي في الجملة بأن يخلق الله تعالى فينا العلم معه بطريق جري العادة٠[3]٠ ليشمل المدرك كالعقل, والآلة كالحسّ, والطريق كالخبر, لا ينحصر في الثلاثة، بل هاهنا أشياء أُخَر، مثل: الوجدان والحدس٠[4]٠ والتجربة, ونظر العقل بمعنى ترتيب المبادي والمقدمّات. قلنا: هذا٠[5]٠ على عادة المشايخ في الاقتصار على المقاصد، والإعراض عن
[1] قوله: [فإن قيل] حاصل السؤال: إنّكم أردتّم بالسبب السبب الحقيقيّ أو السبب الظاهريّ أو السبب
المفضي في الجملة, إن كان المراد الأوّل فإنما هو الله تعالى لا غيره, وإن كان المراد الثاني فإنما هو العقل فقط, وإن كان المراد الثالث فالحصر في هذه الثلاثة باطل, فعلى كلّ تقدير تقسيم أسباب العلم إلى الثالثة غير صحيح. ١٢
[2] قوله: [آلات وطرق] نشر على ترتيب اللفّ, فإنّ الحواسّ آلات بين الفاعل أي: العلّة الكاسبة وبين منفعله أي: المكتسبات في وصول أثره إليه بخلاف الأخبار, فإنّها طرق للإدراك لا آلات له. ١٢
[3] قوله: [جري العادة] بخلق ذلك العلم في محلّه عند تعلّق ذلك السبب به على سبيل الاختصاص. ١٢
[4] قوله: [الحدس] هو قوّة توجب سرعة انتقال الذهن إلى المطلوب العلميّ من غير حاجة إلى التفكّر. ١٢
[5] قوله: [قلنا هذا] حاصل الجواب: إنّا نختار الشقّ الثالث أي: السبب المفضي في الجملة, لكنّ انحصار الأسباب في الثلاثة ليس مبنيًّا على الحقيقة, بل على عادة المشايخ في الاقتصار على المقاصد... إلخ. ١٢