فيما سبق، المقام الثاني: أنّ حقيقة الإيمان لا تزيد ولا تنقص لِمَا مرّ من أنها التصديق القلبيّ الذي بلغ حدّ الجزم٠[1]٠ والإذعان، وهذا لا يتصوّر فيه زيادة٠[2]٠ ولا نقصان، حتى أنّ من حصل له حقيقة التصديق فسواء أتى بالطاعات أو ارتكب المعاصي فتصديقه باق على حاله, لا تغيّر فيه أصلاً، والآيات الدالّة على زيادة الإيمان محمولة على ما ذكره أبو حنيفة رحمه الله أنهّم كانوا آمنوا في الجملة٠[3]٠ ثُمَّ يأتي فرض بعد فرض, فكانوا يؤمنون بكلّ فرض خاصّ، وحاصله أنه كان يزيد بزيادة ما يجب به الإيمان، وهذا لا يتصوّر٠[4]٠ في غير عصر النبيّ عليه السلام، وفيه نظر؛ لأنّ الاطّلاع على
[1] قوله: [حدّ الجزم] قال سيّدنا الشيخ الإمام أحمد رضا خان قدّس سرّه في "المستند": ½المعتبر في الإيمان شرعاً الجزم القاطع سواء حصل عن الاستدلال أو تقليد¼, ونصّ قدّس سرّه بعد سطر على أنّ الإيمان والتصديق والإذعان مترادفة لغة, والإذعان يشمل الظنّ, والشرع طرح هاهنا الظنّ أصلاً, إنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً. ١٢
[2] قوله: [لا يتصوّر فيه زيادة] وجّهه إمامنا الأعظم أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه في "الوصيّة" بما نصّه: لأنه أي: الإيمان لا يتصوّر نقصانه إلاّ بزيادة الكفر ولا يتصوّر زيادته إلاّ بنقصان الكفر, وكيف يجوز أن يكون الشخص الواحد في حالة واحدة مؤمناً وكافراً. ١٢
[3] قوله: [آمنوا في الجملة] في "الجوهرة المنيفة" روي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما وأبي حنيفة رحمه الله أنهم كانوا آمنوا بالجملة، ثُمَّ يأتي فرض بعد فرض فيؤمنون بكلّ فرض خاصّ, فزادهم إيماناً بتفصيل مع إيمانهم بالجملة, فيكون زيادة الإيمان باعتبار المؤمَن به لا في أصل التصديق. ١٢
[4] قوله: [وهذا لا يتصوّر] أي: كون الإيمان زائداً بزيادة المؤمَن به إنما هو في حقّ الصحابة رضي الله تعالى عنهم؛ لأنّ القرآن كان ينـزل في كلّ وقت فيؤمنون به فيكون زيادة على الأوّل, وأمّا في حقّنا فلا لانقطاع الوحي, كذا في "الجوهرة المنيفة". ١٢