عنوان الكتاب: شرح العقائد النسفية

بدركه حتّى يرد به الشرع, فيدرك العقل مصلحة كحسن صوم آخر ورمضان وقبح أوَّل صوم من شوال, فإنّ العقل يدرك مصلحته هذا هو الحقّ عندي وإن خالف الجمهور, وسأفصّل هذه المسئلة في بعض تصانيفي إن شاء الله تعالى, إذا ثبت هذا فنقول: الحسن والقبح يطلقان على أمور, منها كون العقل صفة كمال أو خلافه, ومنها ملائمة الطبع, ومنها تعلق الثواب والعقاب, فالحسن والقبح بالمعنى الأخير ليسا بعقليين, وإنّما بقضاء الله وتكليفه للناس, ولا نقول: إنّه لا يدرك العقل مصالح الفعل أو جهة تعلّق الثواب, بل نقول: لا دخل له في التحسين والتقبيح وشتان بين المرتبتين فتأمّل وأنصف.

قوله: [والمنصف يدرك استناده أفعاله... آهـ] إشارة إلى استناد أفعال العبد إليه تعالى ضروري يتأتّى بملاحظة أحوال النفس فمن لاحظ أحوال نفسه ورزق الإنصاف علم لا محالة أنّ قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلّبها كيف يشاء, فالحاصل أنّ للعبد اختياراً في أفعاله للقطع بالفرق بين قعد وقام وصلى وصام وطال وقصر, لكن لا اختيار له في ذلك الاختيار فتأمّل, وإنّما مثله كمثل رجل أراد أن يرمي حجراً فلو أنه كان قادراً حكيماً خلق في الحجر اختيار الحركة أيضاً, ولا يرد أنّ الأفعال إذا كانت مخلوقة لله تعالى وكذا الاختيار ففيم الجزاء؛ لأنّ معنى الجزاء يرجع إلى ترتّب بعض أفعال تعالى على البعض بمعنى: أنّ الله تعالى خلق هذه الحالة في العبد, فاقتضى ذلك في حكمته أن يخلق فيه حالة أخرى من النعمة والألم، كما أنه يخلق في الماء حرارة فيقتضي ذلك أن يكون صورة الهواء, وإنّما يشترط وجود الاختيار وكسب العبد في الجزاء بالعرض لا بالذات؛ وذلك لأنّ النفس الناطقة لا تقبل لون الأعمال التي لا يستند إليها, بل إلى غيرها من جهة الكسب ولا الأعمال التي لا يستند إلى غيرها وقصدها, وليس في حكمة الله أن يجاز العبد لما تقبل نفسه الناطقة لونه, فإذا كان الأمر على ذلك كفى هذا الاختيار غير المستتقلّ في الشرطية إذا كان مصحّحاً لتخصيص هذا العبد لخلق الحالة المتأخّرة فيه دون غيره, فهذا تحقيق شريف مفهوم من كلام الصحابة والتابعين يتهنّى عليه سيّدي والدي, ومن تشبّث بذيل إفاضته قدّس سرّه, ونشر في العالمين بره, ثُمّ إيّاك وأن تزلّ قدمك من استماع هذه العبارة إلى ما هو مذهب المعتزلة من التوليد, فإنّ بينهما بوناً بعيداً وفرقاً كثيراً.


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

388