فإذا كانَتْ هَذِهِ رَحْمَةَ الرَّسُوْلِ صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم فَقِسْ علَيْه رَحْمَةَ الرَّبِّ تعالى فكَأنّه تعالى يقول: إذا عَلِمْتَ لَيْلَةَ القدرِ، وأَطَعْتَ فيها اِكْتَسَبْتَ ثَوَابَ أَلْفِ شَهْرٍ وإِنْ عَصَيْتَ فيها اِكْتَسَبْتَ عِقَابَ أَلْفِ شَهْرٍ ودَفْعُ العِقَابِ أَوْلَى من جَلْبِ الثَّوَابِ.
وثَالثها: أَخْفَيْتُ هذِهِ اللَّيلَة َحتّى يَجْتَهِدَ الْمُكَلَّفُ في طَلَبِها، فيَكْتَسِبَ ثَوَابَ الاجْتِهَادِ.
ورابِعُها: أَنَّ العَبْدَ إذا لَمْ يَتَيَقَّنْ لَيْلَةَ القَدْرِ، فإِنَّه يَجْتَهِدُ في الطَّاعَةِ في جَمِيْعِ لَيَالِي رَمَضَانَ، على رَجَاءِ أَنَّه رُبَّما كانت هذِهِ اللَّيْلَةُ هي لَيلَةُ القدرِ، فيُبَاهِي الله تعالى بهم مَلائِكَتَه، ويقول: كُنْتُم تقولون فِيْهم: يُفْسِدُوْنَ ويَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ، فهَذا جِِدُّهم واِجتِهَادُهم في اللَّيلَةِ الْمَظْنُونَةِ، فكَيْفَ لَوْ جَعَلتُها مَعلُومَةً لهم، فحِيْنَئِذٍ يَظْهَرُ سِرُّ قَوْلِه تعالى:
﴿ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ ﴾.
وقَوْلِ الْمَلائِكَةِ:
﴿ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ ﴾، ورَدَّه سبحانه عليهم: ﴿ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ﴾ [البقرة: ٢/٣٠][1].
[1] ذكره أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الخطيب الرازي في "التفسير الكبير"، ١١/٢٢٩ـ٢٣٠.