أحدها: أنّ اللهَ تعالى أَخْفَاها كما أَخْفَى سَائِرَ الأَشْيَاءِ فإنَّه أَخْفَى رِضَاه في الطَّاعَاتِ، حَتَّى يَرْغَبُوْا في الكُلِّ.
وأَخْفَى غَضَبَه في الْمَعَاصِي، لِيَحْتَرِزُوْا عن الكُلِّ.
وأَخْفَى أَوْلِياءَه فِيْمَا بَيْنَ الناسِ، حتّى يُعَظِّمُوا الكُلَّ.
وأَخْفَى الإجابَةَ في الدُّعَاءِ؛ لِيُبَالِغُوْا في كُلِّ الدَّعَوَاتِ.
وأَخْفَى الاسمَ الأَعْظَمَ في أَسْمَائِه؛ لِيُعَظِّمُوْا كُلَّ الأَسْمَاءِ.
وأَخْفَى الصَّلاةَ الوُسْطَى في الصَّلَوَاتِ؛ لِيُحَافِظُوْا على الكُلِّ.
وأَخْفَى قَبُوْلَ التَّوْبَةِ لِيُوَاظِبَ الْمُكَلَّفُ على جَمِيْعِ أَقْسَامِ التَّوْبَةِ وأَخْفَى وَقْتَ الْمَوْتِ لِيَخَافَ الْمُكَلَّفُ فكَذَا أَخْفَى هذِهِ اللَّيْلَةَ؛ لِيُعَظِّمُوا جَمِيْعَ لَيَالِي رَمَضانَ.
وثَانِيها: كأَنَّه تعالى يقول: لَوْ عَيَّنْتُ لَيْلَةَ القدرِ، وأَنَا عالِمٌ بِتَجَاسُرِكم على الْمَعْصِيَةِ فرُبَّمَا دَعَتْكَ الشَّهْوَةُ في تِلكَ اللَّيْلَةِ إلى الْمَعْصِيَةِ فوَقَعْتَ في الذَّنْبِ فكَانَت مَعْصِيَتُكَ مَعَ عِلْمِكَ، أَشَدَّ من مَعْصِيَتِكَ، لا مع عِلْمِكَ فلِهَذَا السَّبَبِ أَخْفَيْتُها علَيْكَ. رُوِيَ أَنَّه عليه الصلاة والسلام دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فرَأَى نائِمًا، فقالَ: «يَا عَلِيُّ، نَبِّهْهُ، لِيَتَوَضَّأَ».
فَأَيْقَظَه عَلِيٌّ رضي الله تعالى عنه، ثم قال عليٌّ: يا رَسُولَ الله، إِنَّك سَبَّاقٌ إلى الْخَيْرَاتِ، فلِمَ لَمْ تُنَبِّهْه؟ قال: «لأَنَّ رَدَّه علَيْكَ، لَيْسَ بكُفْرٍ، ففَعَلْتُ ذلك، لِتَخِفَّ جِنَايَتُه، لَوْ أَبَى».