يَظُنُّ كَثِيْرٌ مِن النَّاسِ: أنّ الْعِيدَ لِمَنْ تَجَمَّلَ باللِّبَاسِ، وَالطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ، وأمَّا السَّلَفُ الصَّالِحُ رحمهم الله تعالى فإنَّهُم كانُوا يَبْتَعِدُونَ عَنِ الشَّهَوَاتِ، ومَلَذَّاتِ الدُّنْيَا، ويُخَالِفُوْنَ نُفُوْسَهم:
ما أَكَلَ سَيِّدُنا ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ رحمه الله تعالى طَعَامًا لَذِيْذًا مُنْذُ عَشَرِ سَنَوَاتٍ نُقِلَ أنّه اِشْتَهَى السِّكْبَاجَ عَشَرَ سِنيْنَ ومَنَعَ النَّفْسَ عن هذا الْمُشْتَهَى إلى أنْ اِتَّفَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالنَّفْسُ طَلَبَتْ السِّكْبَاجَ، وغَلَبَتْ علَيْه فقال ذُو النُّوْنِ: يا نَفْسُ إنْ وَافَقْتِنِي اللَّيْلَةَ وهي لَيلَةُ الْعِيْدِ، على أنْ أَخْتِمَ الْقُرْآنَ في رَكْعَتَيْنِ غَدًا أُوْصِلْكِ إلَى مَطْلُوْبِكِ، فقَبِلَتِ النَّفْسُ، ورَضِيَتْ به فصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وخَتَمَ الْقُرْآنَ فِيْهما ثُمَّ في ثانِي الْيَوْمِ وكانَ يَوْمَ الْعِيْدِ طَبَخَ سِكْبَاجًا، ووَضَعَ عِنْدَه، وأَخَذَ لُقْمَةً وقَرَّبَها مِن الْفَمِ ثُمَّ أَعَادَها إلى الْقَصْعَةِ ومَسَحَ الأَصَابِعَ وقامَ إلى الصَّلاَةِ، فقِيْلَ له: كَيْفَ يا شَيْخُ؟ قالَ: فَرِحَتِ النَّفْسُ وقالتْ: حَصَلَ مَقْصُوْدِي بَعْدَ عَشَرِ سِنيْنَ، فقُلْتُ لَهَا: لا وَالله ما وَصَلْتِ.
قال الرَّاوِي: كانَ الشَّيْخُ في هذهِ الْحَالَةِ إذَا دَخَلَ شَخْصٌ ومَعَهُ قِدْرٌ مِن السِّكْبَاجِ ووَضَعَ بَيْنَ يَدَيِ ذِي النُّوْنِ وقال: يا شَيْخُ، ما جِئْتُ به إلَيْكَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي بَلْ أنَا قاصِدٌ إلَيْكَ فاعْلَمْ أنِّي رَجُلٌ حُمَّالٌ ولِي أَهْلٌ وعِيَالٌ وكانُوا يَطْلُبُوْنَ مِنِّي السِّكْبَاجَ وما كانَ يَحْصُلُ لي ثَمَنُه إلى أَنْ اِجْتَهَدْتُ في تَحْصِيْلِه ليَوْمِ الْعِيْدِ فطَبَخْنَاهُ، ورَأَيْتُ الرَّسُوْلَ صلّى الله