تعالى عنه، ونَرَاكُنَّ في مَلاَبِسَ قَدِيمَةٍ، لا أَقَلَّ مِنْ ثِيَابٍ تَلْبَسْنَهَا، وبَكَيْنَ عِندَه، فضَاقَ صَدْرُ عُمَرَ، فدَعَا غُلاَمَه الْخَازِنَ، وقال له: أَعْطِنِي راتِبِي عَنِ الشَّهْرِ الْقَادِمِ فقال له الْخَازِنُ: يا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنينَ رضي الله تعالى عنه أتَضْمَنُ لِي أَن تَبْقَى حَيًّا حتّى الشَّهْرِ الْقَادِمِ قال: نَعَمْ ما قُلْتَ أيُّها الْغُلاَمُ بَارَكَ اللهُ فِيْكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلى بَنَاتِه، وقال: أَكْظِمْنَ شَهَوَاتِكُنَّ[1].
أخي الحبيب:
لَيْسَ الْعِيْدُ لِمَنْ لَبِسَ الْجَدِيدَ، وهذا سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله تعالى عنه مِمَّنْ كانَتِ الدُّنْيَا تَحْتَ قَدَمَيْه فرَفَضَها وكان وَزِيْرُ مَالِيَتِه أَمِيْنًا، فامْتَنَعَ مِنْ صَرْفِ الرَّاتِبِ عن الشَّهْرِ الْمُقَدَّمِ، وفي هذهِ الْحِكَايَةِ دُرُوْسٌ وعِبَرٌ بالِغَةٌ لَنَا، وأمّا مَنْ أخَذَ الرَّاتِبَ عن الشَّهْرِ الْقَادِمِ، فعلَيْه أن يُفَكِّرَ قَبْلَ الأَخْذِ أنَّه يَبْقَى حَيًّا حتّى الشَّهْرِ الْقَادِمِ ويَعْمَلُ بالأَجْرِ الذى يُرِيْدُ صَرْفَه مُسْبِقًا. ومَنْ أَرَادَ أَنْ يُرَوِّضَ نَفْسَه ويُرَبِّيَهَا على الزُّهْدِ وَالتَّقْوَى والصَّلاَحِ يَنْبَغِي أن يَخْرُجَ لِلسَّفَرِ في سبيلِ الله معَ قَافِلَةِ المدينة وأنَا أُقَدِّمُ لكم قِصَّةً جَمِيْلَةً، ورَائِعَةً:
يقول أَحَدُ الإخْوَةِ: رَأَيْتُ في الْمَنَامِ: أنّ أَبي ضَعِيفٌ ويَمْشِي عُرْيَانًا فضَاقَ صَدْرِي بمَا رَأَيْتُ وحَزِنْتُ كَثِيرًا فقَرَّرْتُ السَّفَرَ في سبيلِ الله معَ قَافِلَةِ المدينة لِمُدَّةِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وأُهْدِي الأَجْرَ والثَّوابَ إلى أَبي وقد اِسْتَمْرَرْتُ فِعْلاً على هذَا الْوَضْعِ مُنْذُ ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ، وبعدها