عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

وهذا التشبيه وغيره مما ورد في حقه عليه السلام انّما هو على سبيل التقريب والتمثيل، والا فذاته اعلى وامجد، فان قلت: المناسب ان يشبه جماله عليه السلام بالقمر والبدر؛ لان القمر يملا الارض بنوره ويؤنس كل من يشاهده ونوره من غير حر يفزع ولا كلل ينزع...؟ قلت: نعم! كذلك الا انّ الناظم الفاهم قصد تشبيهه عليه السلام بالشمس في العجز عن التمكن من النظر على وجه الكمال الى وجهه عليه السلام وفي اتمية الضياء؛ لانّ الشمس اتم ضياء من القمر كما لايخفى. وقوله: ½للعينين¼ على صيغة التثنية متعلق بـ½تظهر¼، والالف واللام فيه للاستغراق اي: لكل عين سواء كانت عين الاولياء والاصفياء، و½من بعد¼ متعلق به ايضا، و½البعُد¼ بضمتين لغة في البعْد، والبعد ضد القرب، وهو عبارة عن امتداد قائم بالجسم او بنفسه عند القائلين بوجود الخلاء وقوله: ½صغيرة¼ بالنصب حال من فاعل ½تظهر¼ وقوله: ½وتكل¼ من الاكلال، وهو التعجيز عن الادراك، و½الطرف¼ العين، و½من امم¼ متعلق بـ½تكل¼ او حال من الظرف، والامم بتفحتين القرب.

وحاصل معنى البيت: انه صلى الله تعالى عليه وسلم في وصفه الذي تقدم من انه عجز عن فهم مبناه وعلم معناه كالشمس التي تظهر للعينين من جهة العبد حال كونها صغيرة وتعجز البصر والنظر من القرب وتصير نفس الرائي حسيرة، والحاصل: ان الشمس على ما قيل: انها قدر كرة الارض ماة وبضعا وستين مرة كما انها تظهر من المسافة البعيدة صغيرة، واذا تقرب الشخص لادراك حقيقتها يرى نفسه عاجزة حقيرة كذلك عليه السلام يرى في بادي النظر انه فرد من افراد البشر، واذا تامل في جمال ذاته وكمال صفاته عجز وتحير، وفي هذا البيت اشارة دقيقة الى قوله عليه السلام: اللهم اجعلني في عيني صغيرا اي: لمشاهدة عظمتك وفي عين الناس كبيرا[1] اي: لمكاشفة قدرتك


 



[1]     "مجمع الزوائد"، كتاب الأدعية، باب الأدعية الماثورة، الحديث: ١٧٤١٢، ١٠/٢٨٩.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310