ببلدة "سبا" فانه كان يجيء عليهم منه سيل عظيم، وعلى كل من التقادير، فالبيت كناية عن كثرة الامطار في تلك السنة، وفي هذا البيت صنعة تلميح الى قصة اولاد "سباء" وسيل العرم، و"سباء" اسم لحيّ سموا باسم الاب الاكبر؛ لانهم من اولاد "سباء بن يشجب بن يعرب بن قحطان"، وكانوا في بلدة يقال لها: "مارب" في ارض "اليمن"، وكان هناك واد عظيم، يقال له العرم جاء منه عليهم سيل عظيم وهدم ابنيتهم، فلما كانت بلقيس ملكة على تلك البلدة جمعت حديدا وحجرا كثيرا فبنت امام ذلك الوادي سدا عظيما، ووضعت اثقابا وميازيب في اعلاه واوسطه واسفله، فاتخذ اهل تلك البلدة في اسفل الوادي عن يمين البلدة وشمالها جنانا كثيرة، فكانت في كثرة النعمة والفواكه اية من ايات الله تعالى حتى ان المراة كانت تجعل الزنبيل على راسها وتمر بين الاشجار ولا تحرك شجرا، ولا تقطف ثمرا فيمتلئ الزنبيل من كثرة الفواكه وكانت بلدتهم طيبة ليست بسبخة، ولم يكن يرى فيها بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا حية ولا عقرب ولا وباء، واذا دخل المسافر فيها كان يموت عليه من البرغوث والقمل، فقد كانت سعادة النشاة الاولى حاصلة لهم فلم يشكروا الله تعالى بل قالوا: لا نعرف لله علينا نعمة، فارسل الله اليهم ثلاثة عشر رسولا، وقيل: نبيا، فذكروا لهم نعم الله، وقالوا لهم: اشكروا الله تعالى فلم يسمعوا مواعظهم ولم يؤمنوا، فسلط الله على سدهم فارة عمياء، فنقبت احجار ذلك السد، وكان الوادي ممتلئا كالبحر، فانهدم السد، فهجم الماء على بيوتهم وجنانهم فخربت وغرقوا جميعا باولادهم واموالهم، وفي المثل تفرقوا ايدي سبا وايادي سبا، فخذ ما اتيتك وكن من الشاكرين.
٨٨ دعْنِيْ وَوَصْفِيْ ايَات لَهُ ظَهَرت ظُهُوْر نَار الْقِرٰى لَيْلا عَلَى عَلَمِ
لَمَّا ورد على الناظم الفاهم سؤال ناشئ مما ذكره من اوصافه ومعجزاته بانه لاحاجة الى بيانك لتلك الاوصاف؛ لانها كانت كالشمس في الظهور ولاحاجة الى تعريف الشمس، اجاب عنه فقال: ½دعني... الخ¼، ½دعني¼ امر من ودع يدع بمعنى اتركني، و½وصفي¼ مفعول معه من دع اي: مع وصفي، والوصف بمعنى اصل المصدر لا الحاصل بالمصدر مضاف الى فاعله، ومفعوله ½ايات¼، وهي جمع اية بمعنى العلامات والمعجزات، وقوله: