عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

ضرورته غالبة عليه مع ان ضرورته تابعة لعصمته الكبرى وتابيداته الكبرى ومغلوبة له والمغلوب لا يستولي على الغالب بخلاف ضرورة سائر الناس فانّها غير تابعة لهم فجاز ان تغلب عليهم وتجذب همتهم الى زخارف الدنيا وزهرتها حفظنا الله تعالى منها.

 

٣٣     وَكَيْفَ تدعُوْ الَى الدنْيَا ضَروْرةُ مَنْ       لَوْلاهُ لَمْ تخرج الدنْيَا مِنَ الْعَدمِ

 

لمّا بين رياضته الشديدة ومجاهدته السديدة اراد ان يشرع في بيان افضليته وعيان اشرفيته لكن مع ربط انيق وترتيب رشيق حيث كان هذا البيت تاكيدا لما قبله فقال: ½وكيف تدعوا... الخ¼، ½الواو¼ عاطفة على مقدر اي: انه عليه الصلاة والسلام مائل الى الله تعالى فقط، وكيف تدعوه الدنيا ونعيمها والجنة ونعيمها، وفيه اشارة الى حديث قدسي الدنيا حرام على اهل الاخرة والاخره حرام على اهل الدنيا وكلاهما حرامان على اهل الله تعالى[1] والى ان الدنيا والاخرة لا تجتمعان على وجه الكمال، ولذا قيل: انهما ضرتان او مثل كفتي الميزان، وقال صلى الله تعالى عليه وسلم: من احب دنياه اضر باخرته ومن احب اخرته اضر بدنياه فاثروا ما يبقى على ما يفنى[2]، و½كيف¼ استفهام انكاري، و½تدعوا¼ من الدعوة، وفاعله ½ضرورة¼ ومفعوله محذوف اي: تدعوه صلى الله تعالى عليه وسلم ضرورته، و½الدنيا¼ نقيض الاخرة، وهي اما ما على الارض من الهواء والجو واما كل المخلوقات من الجواهر والاعراض قبل الاخرة، والاصل في ½الدنيا¼ دنْوَي بدلالة قولهم: دنَوْت الى الشيء دنُوًّا فقلبت الواو ياء ولم تقلب مثل ذلك في القصوى؛ لانّه ذهب بالدنيا مذهب الاسم في قولهم: الدنيا والاخرة وان كان اصلها صفة فخففت لانّ الاسم احق بالتخفيف، ثمّ انّ المسموع من العرب في النسبة الى الدنيا دنْيِيٌّ ودنْيَوِيّ، ومنهم من شبه الفها بالف بيضاء في كونهما علامتي التانيث فقال: فيها دنياوي، واما الحاق الهمزة بها فلا وجه له لانّه اسم مقصور غير مصروف، والهمزة انّما تلحق الممدود المنصرف، ثمّ انّ الدنيا نصبها بالتنوين غلط لانّ دنيا وما هو على وزنها لا ينون، فان قيل: لم سميت الدنيا؟ قلت: اما لدنوها اي: لقربها الى الاخرة او لقرب


 



[1]     "كنز العمال"، كتاب الأخلاق، الحديث: ٦٠٦٨، ٣/٧٦.

[2]     "مشكاة المصابيح"، كتاب الرقاق، الفصل الأول، الحديث: ٥١٧٩، ٣/١٠٩.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310