والتجاهل اظهار الجهل، وليس له جهل في الواقع لانّ الكفار كانوا يعرفون حقية الايات من بلاغتها وفصاحتها واخبارها عن المغيبات كما يعرفون ابناءهم لكن يظهرون الجهل، وينكرونها عنادا واستكبارا، والواو في ½وهو¼ للحال، والضمير راجع الى الحسود، و½العين¼ هاهنا بمعنى النفس والذات من بين معانيها واضافته الى ½الحاذق¼ من قبيل شجر الاراك، والحاذق بمعنى الماهر. و½الفهم¼ بالكسر صفة الحاذق، وهو بمعنى كثير الفهم وشديد العقل والانتقال، وفائدة الاتيان بهذا القيد اعني قوله: ½وهو عين... الخ¼ قطع كون انكاره من جهله لا من عناده مع ان في هذا القيد تعظيما للقران العظيم من جهة كون عدو الشيء عظيما يدل على عظم ذلك الشيء كما لايخفى على اهله.
١٠٤ قَد تنْكِر الْعَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رمَد وَيُنْكِر الْفَمُ طَعْمَ الْمَاءِ مِنْ سَقَمِ
فلَمَّا كانت علة نهي التعجب من انكار الحسود خفية اراد ان يبينها بتمثيل المعقول بالمحسوس واتيان نظير له من المانوس فقال: ½قد تنكر العين ضوء الشمس... الخ¼ و½قد¼ للتقليل، و½تنكر¼ من الانكار، و½العين¼ هاهنا بمعنى الباصرة، و½الضوء¼ بمعنى النور، وانما قال: ½ضوء الشمس¼، ولم يقل: نورها؛ لان الضياء اقوى واتم من النور، فبيْن النور والضياء فرق اذ النور كيفية ظاهرة بنفسها مظهرة لغيرها والضياء اقوى منه، ولذلك اضيف الى الشمس في قوله تعالى: ﴿ هُوَ ٱلَّذي جعَلَ ٱلشَّمۡسَ ضِيَآءٗ وَٱلۡقَمَر نُورا ﴾ [يونس: ٥]، وقد يقال ينبغي ان يكون النور اقوى على الاطلاق لقوله تعالى: ﴿۞ٱللَّهُ نُور ٱلسَّمَٰوَٰت وَٱلۡارۡضِۚ﴾، الاية [النور: ٣٥]، وانت خبير بان هذا انما يتم اذا لم يكن معنى النور في الاية المنور، وقد حمله اهل التفسير على ذلك يفرق بينهما بان الضياء ضوء ذاتي، والنور ضوء عارضي تامل. و½الشمس¼ كوكب نهاري مضيء للعالم، وقد سبق تفصيلها، و½من رمد¼ ½من¼ منشئية متعلق بـ½تنكر¼، و½الرمد¼ بفتحتين وجع العين، يقال: رمدت العين من الباب الرابع اذا هاجت، ثم ان في هذا المصراع تشبيه الحسود المنكر للايات لتجاهله بعين فيها رمد في كونهما مشتملين على ما يضر ولا ينفع ويورث لصاحبه انكار شيء ظاهر، وتشبيه الايات بضوء الشمس في الظهور وعدم الخفاء والاشتهار عند الصغار والكبار، وتشبيه التجاهل بالرمد في ايراث الاذى لصاحبه، وايراث انكار امر باهر وظاهر، ثم اعلم! انه