عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

٧٩     وِقَايَةُ اللهِ اغْنَت عَنْ مُضَاعَفَةٍ         مِنَ الدروْعِ وَعَنْ عَالٍ مِنَ الْاطُمِ

 

لَمَّا كان هذا المقام مظنّة ان يتوهم بان الهجرة والاختفاء في الغار غير لائق بشان النبي المختار بل اللائق بشانه ان يلبس الدرع ويتحصن في قلعة ويتحارب مع الكفار دفعه بقوله: ½وقاية الله اغنت... الخ¼ مع الاشارة الى ان هذا ابلغ في الاعجاز مع المقاومة معهم؛ لان فيه تنبيها على كونهم في غاية الضعف ونهاية الهلاك حيث كان اوهن البيوت مقابلا لهم ومانعا من مطلوبهم وانهم في غاية الحماقة ونهاية البلادة حيث لم يفهموا من الاثار كونهما في الغار. ثم ان ½الوقاية¼ بمعنى الحفظ مضاف الى فاعله ومفعوله محذوف اي: وقاية الله اياه اعني الرسول عليه السلام. و½اغنت¼ ضميره راجع الى الوقاية اي: جعلت الرسول غنيا عن المضاعفة من الدروع. و½المضاعفة¼ اسم مفعول من ضاعف يضاعف، والتضعيف ضم شيء الى شيء فان قلت: ان الله تعالى حفظه وجعله مستغنيا عن اصل درع فما فائدة اتيان المضاعفة؟ قلت: في اتيانها اشارة الى شدة الكفار وكثرتهم يعني اشارة الى انه لو قوبل معهم وحورب بهم يحتاج الى دروع كثيرة وقلعة مرتفعة، او نقول: ان في البيت سلوك الى مسلك برهاني، وهو ان يذكر الدعوى المشتملة على دليلها، وهاهنا كذلك حيث كان هذا البيت في تقدير وقاية الله تعالى اغنته عن مضاعفة من الدروع، لان وقاية الله تعالى اغنته عن درع  واحد، وكل ما اغني عن درع واحد اغني عن مضاعفة به ينتج المطلوب. و½من الدروع¼ حال من المضاعفة وهي جمع درع وهو ما يلبس في الحرب، و½عن عال¼ عطف على مضاعفة اي: عن مكان مرتفع، و½عال¼ اصله عالي حذفت الياء للضرورة، ويجري القياس السابق هنا ايضا. و½الاطم¼ بضمتين جمع اطمة، وهو بمعنى القلعة الحصينة، والمعنى حفظ الملك الجبار نبيه المختار جعله مستغنيا عن الدروع والاسلحة المتعددة وعن الحصون العالية المرتفعة، وجعل الغار له بقدرته بمنزلة الحصن الحصين، وصير نسج العنكبوت في قوة الدرع المتين، فان قلت: ما الحكمة في هجرته عليه الصلاة والسلام الى المدينة واقامته بها الى ان انتقل  الى ربه عزوجل؟ قلت: ان حكمة الله تعالى قد اقتضت انه عليه السلام تتشرف به الاشياء فلو بقي في مكة الى انتقاله الى ربه لكان يتوهم انه قد تشرف بمكة اذ كان


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310