عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

٨٢      لا تنْكِر الْوَحيَ مِنْ رؤْيَاهُ انَّ لَهُ      قَلْبا اذا نَامَت الْعَيْنَانِ لَمْ يَنَمِ

 

لَمَّا بيّن اوصافه الكاملة اراد ان يشير الى ان من اتصف بهذه الصفات والنعوت لا يستبعد ولا ينكر ان يكون قلبه مربوطا به تعالى لا يفارقه في جميع الليالي والايام ولوكان عيناه في المنام فقال: ½لا تنكر الوحي... الخ¼، فتكون الاوصاف المذكورة كالعلة والدليل لهذا البيت، فترتيب قياسه هكذا اذا كان نبينا عليه الصلاة والسلام متصفا بهذه الصفات، فلا ينبغي انكارك الوحي من رؤياه لكن المقدم حق والتالي مثله، فقوله: ½ان له... الخ¼، كالعلة للتالي بان يقال: لا ينبغي انكارك الوحي من رؤياه لانه كان له قلب اذا نامت العينان لم ينم فلا ينبغي انكارك الوحي من رؤياه، لكن المقدم حق والتالي مثله، ثم ان ½لا تنكر¼ نهي حاضر من الانكار، والخطاب عام لمن شانه ان يخاطب. و½الوحي¼ منصوب على انه مفعول ½لا تنكر¼، و½الوحي¼ يجيء في اللغة على معان كالاشارة والرسالة والالهام والكلام الخفي، وفي العرف اعلام الله تعالى لانبيائه، وهو اما ظاهر او باطن اما الظاهر فثلاثة: الاول: ما ثبت بلسان الملك، فوقع في سمعه بعد علمه بالمبلغ انه قطعي والقران من هذا القبيل، والثاني: ما وضع له باشارة الملك من غير بيان بالكلام كما قال عليه السلام روح القدس نفث في روعي ان نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله، واجملوا في الطلب[1] والثالث: ما يبدي الله لقلبه في رؤياه و في عيانه بلا شبهة بالهام الله تعالى بان اراه بنور من عنده، وكل ذلك حجة مطلقا بخلاف الهام الاولياء فانه لا يكون حجة على غير نفسه وقوله: ½من رؤياه¼ صفة للوحي اتى به للاحتراز عن وحيه الذي كان في عيانه بواسطة جبريل فانه بديهي متواتر بين الانام فلا حاجة الى ذكره في هذا المقام، والرؤيا ما يراه الشخص في منامه قال القاضي ابوبكر: الرؤيا ادراكات يخلقها الله تعالى في قلب العبد النائم على يد ملك او شيطان، وفي الحديث: ان رؤيا المؤمن كلام يكلمه ربه في المنام[2]، ثم اعلم! ان الرؤيا اما صادقة وهي ثلاث: تبشير يبشره الملك المؤكل على الرؤيا بما يسره من الاخروي او


 



[1]     "مشكاة المصابيح"، كتاب الرقاق، باب التوكل والصبر، الفصل الثاني، الحديث: ٥٣٠٠، ٢/٢٦٤.

[2]     "كنز العمال"، كتاب المعيشة والعادات، الحديث: ٤١٤٤٤، ١٥/١٦٠.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310