مامورون بدفع المنكر، فقال الملك: ا لم تخف مني؟ فقال الشيخ: اصبر على ما يصيبني منك كما قال الله تعالى: ﴿ وَٱصۡبرۡ عَلَىٰ مَآ اصَابكَۖ﴾ [لقمان: ١٧] بل لا اخاف منك اصلا لانّك عبد عبدي، فقال لمن في حول الملك من الاكابر: هيهات ضيع الشيخ عقله، فقال: اني ما ضيعت عقلي بل هو عبد عبدي في الحقيقة لانّ الانسان على نوعين: نوع: جعل نفسه مغلوبا وكان غالبا على نفسه يصرفها الى اي عبادة شاء، ونوع: جعل نفسه غالبا عليه وواليا على مملكة بدنه، فانت ايّها الملك من اي قسم؟ ففكر الملك، فقال: من الثاني، فقال الشيخ: فحينئذ النفس عبدي، وانت عبد النفس، فانت عبد عبدي، فسلم الملك كلام الشيخ فتاب، وارشده.
٢٠ وَراعِهَا وَهْيَ فِي الاعْمَالِ سَائِمَةٌ وَانْ هِيَ اسْتحلَت الْمَرعٰى فَلا تسِمِ
لمّا فرغ من بيان منع النفس عن الهوى شرع في بيان التحلية الموصوفة بالرياضة وقد تحقق في موضعها ان رياضة النفس منعها عن هواها وجبرها على طاعة مولاها فقال: ½وراعها... الخ¼ الواو عاطفة من عطف الانشاء، على الانشاء اعني على جملة ½حاذر¼ و½راع¼ امر من راعى يراعي مراعاة من الرعي وهو ارسال الدابة الى موضع الكلا لكن مع ترقب وانتظار اليها لئلا تدخل ملك الغير، وضمير المؤنث الى النفس ففيه استعارة بالكناية كانه شبه النفس في الذهن بالدابة في لزوم الترقب لها في رعيها في الكلا واستعمالها في العبادة، ثم استعير الدابة في الذهن للنفس، فذكر الدابة في الذهن واريد النفس، وفي الخارج ذكر المشبه واريد عينه، واثبات الرعي للنفس تخييلية وقوله: ½وهي¼ اي النفس اسكن الهاء لضرورة الشعر، وقيل: اسكان الهاء في ½وهي¼ جائز في السبعة كما في قراءة "قالون" و"الكسائي" وغيرهما والواو حالية و½في الاعمال¼ متعلق بـ½سائمة¼ والمراد من الاعمال الاعمال الصالحات لانّ السيئات لخلوها عن النفع ليست باعمال، وقوله: ½سائمة¼ خبر المبتدا، وهو من ½سامت الماشية¼ اذا رعت واخرجت الى المرعى فـ½السائمة¼ حيوان مرسل الى المرعى يسير ويروح وياكل ويشرب، فقوله: ½وهي في الاعمال سائمة¼ تشبيه بليغ عند الجمهور، واستعارة على مذهب البعض، والمعنى: ان النفس مثل السائمة في الاعمال الصالحة ان ترعها، وتسقها ترح الى ما تشاء