البيت والمسجد الاقصى والعرش والكرسي، ثم اعلم انهم اختلفوا في زيارة قبره عليه السلام هل هو واجب او سنة، فذهب بعض المالكية الى الاول، واستدلوا عقلا ونقلا اما الاول: فلان الزيارة تعظيم وتعظيمه صلى الله عليه وسلم واجب، فزيارته واجبة، واما الثاني: فلقوله عليه السلام: من وجد سعة ولم يفد الىَّ فقد جفاني[1] وفي حديث اخر: من حج ولم يزرني فقد جفاني[2] فانه ظاهر في حرمة ترك الزيارة لان الجفاء اذى، والاذى حرام بالاجماع، فتجب الزيارة اذ ازالة الجفاء واجبة، وهي بالزيارة، فالزيارة واجبة حينئذ، وذهب اكثر الشافعية والحنفية الى الثاني كما قال القاضي عياض: انها سنة من سنن المسلمين مجمع عليها، والاحاديث السابقة مؤولة، وبيانها في كتب القوم مفصلة.
٥٩ ابانَ مَوْلِدهُ عَنْ طِيْب عُنْصُرهِ يَا طِيْب مُبتدا مِّنْهُ وَمُختتمِ
لَمَّا بين شرافة اخره ولطافة انتهائه صلى الله تعالى عليه وسلم في البيت السابق قيل: فكيف كان ابتداءه؟ فاجاب: ببيان شرافة ابتدائه ولطافة اوله عليه السلام فقال: ½ابان مولده عن طيب عنصره... الخ¼، ½ابان¼ بمعنى اظهر وكشف، و½المولد¼ بكسر اللام اسم زمان، وهو فاعل ½ابان¼، ومفعوله محذوف اي: عجائب كثيرة، واسناد ½ابان¼ مجازي. و½عن طيب¼ متعلق بـ½ابان¼، وكلمة ½عن¼ قد تكون للبدل كما في قوله: ½جزى ربه عني عدي بن حاتم¼، وقد تكون لافادة كون ما بعدها سببا لما قبلها كما في قولك: ½فعلت هذا عن امرك¼، وقد تكون بمعنى ½بعد¼ كما في قوله تعالى: ﴿ لَترۡكَبنَّ طَبقًا عَن طَبقٖ﴾ [الانشقاق: ١٩] وهاهنا للمعنى الثاني؛ لان طيب عنصره سبب لاظهار زمان ولادته العجائب كما لايخفى. والمعنى: اظهر الله زمان ولادته بسبب طيب عنصره عليه السلام عجائب كثيرة، وسيبين بعض تلك العجائب ان شاء الله تعالى. و½الطيب¼ معلوم، و½العنصر¼ بمعنى الاصل في اللغة العربية كالاسطقص في اللغة اليونانية، والمراد من طيب عنصره عليه السلام طهارته وخلوصه عما لاينبغي، كما يقع في سائر المولودين، وكلمة ½يا¼ للنداء، والمقصود بالنداء محذوف اي: يا ايها العقلاء انظروا بنظر التعجب الى طيب ابتدائه وانتهائه، فـ½المبتدا¼ و