قال شيخ محي الدين بن عربي: اعلم ان الله تعالى لما تجلى للقلم اشتق منه موجود اخر سماه اللوح وامر القلم ان يتدلى اليه ويودع فيه جميع ما يكون الى يوم القيامة انتهى. قال الشعراني في "كتاب اليواقيت والجواهر": فان قلت: فهل اطلع احد من الاولياء على عدد الحوادث التي كتبها القلم على اللوح الى يوم القيامة؟ فالجواب قال الشيخ في الباب الثامن والستين بعد المئة من "الفتوحات المكّيّة" نعم انا من اطلعه الله على ذلك، وقال الشيخ: اطلعني الله على عدد امهات علوم امّ الكتاب، وهو مئة الف نوع وتسعة وعشرون الف نوع وست مئة نوع كل نوع منها يحتوي على علوم انتهى. ثمّ اعلم انّه قيل: انّ العلم مصدر مضاف الى فاعله اي: علم اللوح والقلم بالاشياء فاحتاج الى القول: بانّ لها ادراكا وشعورا، وقيل: انه مضاف الى المفعول اي: علم الناس باللوح والقلم، وقيل: انّ الله اطلعه عليه السلام على ما كتب القلم في اللوح المحفوظ، وزاده ايضا لان اللوح والقلم متناهيان، فما فيهما متناه، ويجوز احاطة المتناهي بالمتناهي، وقال شيخ زاده: هذا على قدر فهمك، وامّا من اكتحلت عين بصيرته بالنور الالهي فيشاهد بالذوق ان علوم اللوح والقلم جزء من علومه كما هي جزء من علم الله تعالى.
وحاصل المعنى: انه عليه السلام هو الواسطة في افادة المنح الظاهريات والباطنيات من المبدا الاول في الكائنات العلويات والسفليات، واذا كان كذلك فلن يضيق جاهه بعنايته وكفايته ولا يعزب عن علمه حال ضراعته فلا تقصر جوده عن شفاعته.
١٥٥ يَا نَفْسُ لا تقْنَطِي مِنْ زلَّةٍ عَظُمَت انَّ الْكَبائِر فِي الْغُفْرانِ كَالَّلَمَمِ
لمّا فرغ من الرجاء للشفاعة منه عليه السلام شرع في تانيس النفس مخاطبا لها بـ½يا¼ استبعادا عن مظانّ الزلفى ناهيا ايّاها عن القنوط فقال: ½يا نفس... الخ¼، روي نفس بضم السين على انّه منادى مفرد معرفة، وبكسرها على انّه منادى مضاف الى المتكلم، وتخصيص النفس بالخطاب اشعار بانّ القنوط انما ينشا من النفس. و½لا تقنطي¼ من القنوط، وهو اعظم الياس، وفي "المفردات" القنوط: الياس من الخير، وبالفارسية ½نوميد شدن از خير¼. واعلم! انّ القنوط من رحمة الله علامة زوال الفطرة الاسلامية بانقطاع الوصلة بين الحق والعبد اذ لو بقي شيء من نوره الاصلي لاراك اثر رحمته الواسعة