١٣٩ كَفَاكَ بالْعِلْمِ فِي الامِّيِّ مُعْجزةً فِي الْجاهِلِيَّةِ وَالتاديْب فِي الْيُتمِ
لمّا استفيد من البيت السابق ان له عليه الصلاة والسلام معجزة بها كان الخصم مغلوبا وكان مظنة ان يسال عن تلك المعجزات اجاب عنه ببيان بعض ما اشتهر فقال: ½كفاك... الخ¼، ½كفاك¼ بمعنى حسبك، والخطاب لكل احد، و½الباء¼ في بالعلم زائدة كـ½كفى بالله¼، و½اللام¼ في ½العلم¼ للعهد الذهني. و½في الامي¼ صفة العلم او حال منه، و½الامي¼ منسوب الى الام وهو الاصل، وهو في العرف عبارة عمن لم يعرف الكتابة، ولم يقرا من الخط، ولم يتعلم من معلم، ولم يجلس بين يدي الاستاذ بطريق العادة بل بقي على اصل الخلقة والفطرة، وقيل: معنى الامي منسوب الى ام العرب، وهم قوم الغالب عليهم عدم معرفة الكتابة والحساب. و½معجزة¼ بالنصب تمييز كما في ½طاب زيد نفسا¼، ومعنى المعجزة قد سبق لكن المراد هاهنا معنى خرق العادة مطلقا فتذكر. ومن اراد به المعنى السابق فلم يتبصر فان كنت ذا بصيرة فتدبر. و½في الجاهلية¼ متعلق بـ½العلم¼ اي: في وقت الجاهلية، وهي عبارة عن زمان انحرف فيه الشرع السابق ولم يكن فيه الوحي اللاحق وتفرق الناس في اديانهم ويسمى ذلك الزمان ايضا بالفترة و½التاديب¼ بالجر على انّه معطوف على العلم اوبالرفع معطوف على العلم اذ الباء فيه زائدة، والتاديب بمعنى كونه عليه الصلاة والسلام مؤدبا يعني عدم كونه فاحشا ولا متفحشا ولا غليظ القلب؛ لانّه عليه الصلاة والسلام كان مجمع محاسن الاخلاق من صباوته الى نبوته عليه الصلاة والسلام. و½في اليتم¼ متعلق بالتاديب بلا تكلف، و½اليتم¼ بضمتين بمعنى موت الاب وبقاء الابن صبيا.
وحاصل معنى البيت: ان معجزاته عليه الصلاة والسلام كثيرة وشهيرة فاذا نظرت اليه عليه السلام بعين البصيرة كفاك ايها الطالب لمعجزاته واياته العلوم التي لا تعد ولا تحصى فيه عليه السلام بغير تعلم من العلماء ولا كتابة مع الادباء في زمان كثر فيه الجهل على الانام وزاد فيه الضلال بلا انفصام وكذا كفاك كونه مؤدبا بمكارم الاخلاق والخصال ومتادبا على وجه الكمال في اوان يتمه وزمان حداثة سنه واول خلقته.
١٤٠ خدمْته بمَديْح اسْتقِيْلُ به ذنُوْب عُمْر مَضَى فِي الشِّعْر وَالْخدمِ