لَمَّا فرغ من بيان بعض اوصافه وبيان بعض معجزاته ومعراجه وغزواته وبعض اوصاف اصحابه الكرام اراد ان يشرع في الاسترحام من جنابه الكريم والاستشفاع من ذاته الرؤف الرحيم وبيان الغرض من نظم هذه القصيدة اللطيفة المباركة الطيبة الشريفة فقال: ½خدمته بمديح... الخ¼، ½خدمته¼ على صيغة نفس المتكلم من الخدمة اي: مدحته، والضمير له عليه السلام، والجملة استينافية. و½المديح¼ ما يمدح به اعني: ما يبين فيه الفضائل والمراد به هذه القصيدة وجملة ½استقيل¼ صفة مديح او حال منه، من الاستقالة بمعنى طلب العفو. و½به¼ متعلق به، و½الباء¼ فيه للاستعانة، والضمير راجع الى المديح. و½ذنوب¼ بالنصب على انه مفعول به لـ½استقيل¼، و½الذنوب¼ جمع ذنب شامل للصغائر والكبائر. وعمر الانسان عبارة عن مدة حياته، واضافة الذنوب بمعنى في وجملة ½مضى¼ صفة ½عمر¼، و½مضى¼ بمعنى ذهب يعني لا كل العمر، بل العمر الذي ذهب... الخ، و½في الشعر¼ متعلق بـ½مضى¼ و½الشعر¼: قول موزون وزنا عن تعمد كما ان البيت ما تركب من المصراعين، و½القطعة¼: شعر يكون مؤلفا من سبعة ابيات، و½القصيدة¼: ما تركب من عشرة ابيات فما فوقها. والمراد من الشعر هاهنا معناه المصدري اعني اتيان الكلام الموزون عن تعمد، وان كان المراد الاول يقدر فيه مضاف اي: في استعمال الشعر واتيانه. ½والخدم¼ بالجر عطف على الشعر وهو بكسر الخاء وفتح الدال جمع خدمة، والمعنى في انواع الخدمة او في خدم المخلوقين تدبر.
وحاصل معنى البيت: ان حاصل المرام من مدحي سيد الانام بهذه القصيدة المشتملة على اوصافه عليه السلام طلب العفو من الله الملك العلام بسبب هذه القصيدة عن ذنوب في مدة حياة مضت في الاشتغال بالشعر في مدح الناس ومذمتهم، وتلَفْت في خدمات ارباب الدنيا لاغراض فاسدة في صحبتهم اذ روي ان الناظم كان في اول الامر من مقربي السلاطين وكان يخدمهم ويدفع احزانهم بانشاد الشعر في مدائحهم وفي مذمة اعدائهم وكان قصده جلب الدنيا واخذ المنصب الاعلى وقد سبقت الاشارة الى بعض هذا في مفتتح الكتاب. ثم اعلم انّ في البيت رد العجز على الصدر من قبيل قوله:
سَريعٌ الى ابنِ الْعَمِّ يَلْطِمُ وَجهَهُ وَلَيْسَ الَى داعِي النَّدى بسَريعِ