عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

٨١           وَلا الْتمَسْت غِنىَ الداريْنِ مِنْ يَدهِ          الا اسْتلَمْت النَّدٰى مِنْ خيْر مُسْتلِمِ

 

لَمَّا بيّن في البيت السابق حافظيته عليه السلام في دار الدنيا اراد الترقي منها لبيان حافظيته في الدارين فقال: ½ولا التمست... الخ¼، الواو عاطفة، والجملة معطوفة على جملة ½سامني¼، وتكرير النفي للتاكيد، و½لا التمست¼ على صيغة المتكلم من الالتماس، وهو طلب المساوي من المساوي، وهنا مستعمل بمعنى الطلب مطلقا اما تجريدا او حقيقة. وغنى الدنيا انما يكون بالسعة والكفاية، وفي الحديث ليس الغنى من كثرة العرض انما الغنى غنى القلب[1]، ويكون غنى الدنيا ايضا بصحة البدن والسلامة من بليات الدنيا، وغنى الاخرة انما يكون بالفوز والنجاة من الجحيم والدخول في جنة النعيم، ولذا ورد في الخبر اكثر اهل الجنة بله[2] اي: حمق، لانهم يرضون بغنى الاخرة اعني: الجنة، ولا يطالبون جمال الله قال الله تعالى في التنزيل: ﴿ وَٱللَّهُ خيۡرٞ وَابۡقَىٰٓ﴾ [طه: ٧٣]. و½من يده¼ متعلق بـ½التمست¼، والمراد من ½اليد¼ ذاته عليه السلام من قبيل ذكر الجزء وارادة الكل، او اليد هنا بمعنى الطرف والجانب يقال: حصلت المصلحة من يد فلان اي: من طرفه وجانبه، وفي الحديث وهم يد واحدة على من سواهم[3] او بمعنى الاحسان ونعمه عليه السلام فيكون ايضا مجازا من قبيل اطلاق اسم ما هو بمنزلة العلة الفاعلية الصورية على المعلول والاستلام بمعنى الاخذ، و½الندى¼ العطاء كما في قوله: ع

ولا فضل فيها للشجاعة والندى

 وهو بالنصب مفعول ½استلمت¼ و½خير مستلم¼ كناية عن رسول الله عليه السلام. و½مستلم¼ يجوز ان يكون على صيغة اسم الفاعل او المفعول.

وحاصل معنى البيت: ما طلبت غنى الدنيا بالكفاية وغنى العقبى بالسلامة من احسانه وانعامه او من ذاته عليه السلام الا اخذت العطاء ونلت المنى من خير مستلم فكنت بسببه محفوظا من الافات في الدنيا ومن البليات في العقبى، عليه الصلاة في كل صبح ومساء.

 


 



[1]     "المسند" للإمام أحمد بن حنبل، مسند أبي هريرة، الحديث: ٧٣٢٠، ٣/٣٧.

[2]     "مسند البزار" للإمام أحمد بن حنبل، مسند أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه، الحديث: ٦٣٣٩. (المكتبة الشاملة)

[3]     "سنن أبي داؤد"، كتاب الجهاد، باب في السرية، الحديث: ٢٧٥١، ٣/١٠٦.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310