عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

 

 

٢٣      وَاسْتفْرغِ الدمْعَ مِنْ عَيْنٍ قَد امْتلات     مِنَ الْمَحارمِ وَالْزَمْ حمْيَةَ النَّدمِ

 

لما بين طريق استعمال النفس في هذه الحال وفيما سياتي اراد ان يبين سبب المغفرة للذنوب التي قد اكتسبها فيما مضى، فقال، تحريضا على التوبة وتحضيضا على الاوبة: ½واستفرغ الدمع... الخ¼، الواو عاطفة، ويجوز ان تكون استينافية جوابا لسؤال مقدر كانه قيل: هل يكون طريق على عفو الذنوب التي فعلتها فيما مضى؟ فقال: ½واستفرغ¼ اي: نعم! استفرغ، و½استفرغ¼ امر من استفرغ، وهو طلب الفراغ، وهو جعل وعاء او نحوه خاليا عما فيه باخراج ما فيه واراقته، والمعنى: اجر وارقْ واستخرج و½الدمع¼ ماء مالح يجري من العين، وتقييد استفراغ الدمع بقوله: ½من عين¼ اظهار لما علم ضمنا لا للاحتراز، وقوله: ½قد امتلات¼ صفة العين وضمير المؤنث راجع الى العين لكن بطريق الاستخدام بان يراد من العين المذكورة الباصرةُ، وبالضمير العينُ بمعنى القلب؛ اذ الممتلىء بالمحارم، القلب والمعدة، فعلى هذا لا حاجة الى جعل امتلاء العين كناية عن كثرة الذنوب كما لايخفى على ذوي القلوب وقوله: ½من المحارم¼ متعلق بـ½امتلات¼ و½المحارم¼ جمع محرم بمعنى الحرام كما يقال: ½ذو رحم محرم¼ اذا لم يحل للرجل نكاحها، والمعنى: اذا امتلا قلبك ومعدتك بالمحارم والافعال السيئة ففرغ عينك الحسية لان البكاء للعصيان من خشية الرحمن يمنع العبد من دخول النيران كما قال عليه السلام: لا يدخل النار من بكى من خشية الله تعالى حتى يلج اللبن الضرع[1]، وقيل: اذا كان يوم القيامة تخرج من الجحيم نار مثل الجبال فتقصد امة محمد فيجتهد رسول الله عليه السلام في دفعها فلم يقدر فينادي جبرائيل: ½الحقّ الحقّ¼ فانّ النار قد قصدت امتي لتحرقهم، فياتي جبرائيل بقدح من الماء، فينادي الرسول فيقول: خذ هذا، ورشّه عليها فيرشه فتنطفئ في الحال ويقول: يا جبرائيل! ما هذا الماء لم ار مثله في اطفاء النار فيقول جبرائيل: ما هذا الا دموع امتك الذين بكوا من خشية الله في الخلوات، امرني ربي ان اخذ واحفظه الى وقت احتياجك اليه لتطفئ به النار التي قصدت امتك، وقوله: ½والزم¼ دفع سؤال نشا مما قبله، وهو انه هل يكون البكاء مطلقا مذهبا للعصيان ومطهرا


 



[1]     "مشكاة المصابيح"، كتاب الجهاد، الفصل الأول، الحديث: ٣٨٢٨، ٢/٣٦٥.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310