احد يقطعه عن لذائذ الدنيا ونعيمها فلا يبقى له الذوق بشيء من الاشياء لانّ الدنيا والاخرة ضدان لا يجتمعان في شخص كما روي انّ هارون الرشيد نظر يوما في نفسه، وقال انّي اجمع الدنيا مع الاخرة بغير تركهما، فاطلع "بهلول" الولي على ما في قلب هارون بالمكاشفة، وجاء الى بيت هارون، وكان في بيته امام قصره عمود عظيم متروك من سنين حتى لو جمع اهل البلد كلهم على رفعه لعجزوا عن رفعه بل عن تحريكه، فاخذ احد طرفيه فرفعه، ثم ترك ذلك الطرف وجاء الى الطرف الاخر، فرفعه ايضا وتركه، ثم جاء الى وسطه، فاخذه، فما رفعه، وهارون الرشيد ينظر الى ما فعله، فطلبه الرشيد، فجاء اليه، فقال له الرشيد: ما الغرض من هذا الفعل يا بهلول؟ قال ارشادا للملك: اني اردت ان اجمع الدنيا فقدرت عليها لكن لم يكن معها الاخرة، ثم تركت الدنيا واردت الاخرة فقدرت عليها لكن بترك الدنيا، ثم اخذت الوسط لاجمع الدنيا والاخرة، فما حصل لي ذلك، ففهمت انّ تفكُّرك بان تجمع الدنيا والاخرة باطل، وخاصية هذا البيت: انك اذا كنت تتهِمُ امراةً فاكتب هذا البيت على ورقة اترج، وضَعْهَا على ثديِهَا الايسر وهي نائمة، فانها تنْطِقُ في حال النوم بجميع ما فَعلت من مليح او قبيح، وهذا مجرب صحيح، وكذا اذا كنت شككت في احد انه هل اخذ شيء من مالك، فاكتب هذا البيت في جلد ضفدع مدبوغ، وعلقه في عنقك فان السارق يندهش، ويُقِر من ساعته باذن الله تعالى.
٩ يَالائِمِي فِي الْهَوَى الْعُذريِّ مَعْذرةً مِنِّيْ الَيْكَ وَلَوْ انْصَفْت لَمْ تلُمِ
لما كان المخاطب فيما قَبلُ منكِرا للدعوى بانه مُبتلٍ بالهوٰى كان المكالمة والخطاب بينهما بالكاف والضمير، ثم لما اقر المخاطب بتلك الدعوى بعد منه المتكلم قليلا اذ الخصم اذا اقر بالدعوى التي انكرها فيما مضى يرخي له العنان، ويوسع عليه في ذلك الزمان، ويفرق عنه خصمه برهة من الاوان، فعدل عن الخطاب والضمير الى الخطاب بصيغة النداء، فقال: ½يا لائمي... الخ¼ اذ صيغة النداء تدل على البعد ويجوز ان يكون عدوله الى الخطاب بصيغة النداء لامالة المقصود بالنداء الى الاداء كذا ذكره "سعدي چلپي" في تفيسر قوله تعالى: ﴿ يَٰٓايُّهَا ٱلَّذينَ ءَامَنُوا كُتب عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ ﴾ الاية [البقرة: ١٨٣]،