لان الفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء في ايّ وقت شاء، فان قلت: لو كان الوحي والنبوة من فضل الله تعالى من غير كسب لكان من الصفات الجبلية لا الاختيارية، ولو لم يكن من الصفات الاختيارية لايكون مدحا فلايجوز للناظم الفاهم ذكره في ذلك الاوصاف والامداح؟ قلت: المدح قد يتعلق بغير الاختياري بناء على ان الحمد والمدح مترادفان كما هو مذهب صاحب الكشاف والسيد تامل. وقوله: ½ولا نبي¼ عطف على ½وحي¼، وتكرير النفي للتاكيد، وهذا القول لدفع توهم بعض القاصرين من ان غير الله تعالى لا يعلم الغيب فلا يجوز اخبار الانبياء عن الغيب. وقوله: ½على غيب¼ متعلق بـ½متهم¼ ولايرد انه لايجوز تعلقه به لعدم جواز تقديم ما في حيز الجار عليه؛ لانا نقول: ان هذا في غير الظرف وفيه يغتفر ما لا يغتفر في غيره على انه يجوز ان يكون تقديمه لضرورة الشعر و½المتهم¼ على صيغة اسم المفعول بمعنى المحمول على التهمة والكذب.
حاصل معنى البيت: تبارك الله وتعالى وتعاظم في ذاته وصفاته، فسبحان الله تعالى لم يكن وحيه اصلا حاصلا بالاكتساب ولا بتحسين القول والخطاب بل موهبة من الله تعالى وعطية من الاله، ولايجوز حمل نبي ثبتت نبوته وتحققت معجزته على التهمة فيما ياتي من المغيبات واخبار امور الكائنات، فان من كان نبيا لاينطق عن الهوى بل ما قوله الا وحي يوحى وفي البيت تلميح الى قوله تعالى: ﴿ فَلَا يُظۡهِر عَلَىٰ غَيۡبهِۦٓ احدا ٢٦ الَّا مَنِ ٱرۡتضَىٰ مِن رسُولٖ﴾ الاية [الجن: ٢٦،٢٧] وقوله تعالى: ﴿ وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡب بضَنِينٖ﴾ [التكوير: ٢٤] على القراءة بالظاء، وهو المشهور عند اهل التفسير كما لايخفى على من القى السمع وهو بصير.
٨٥ كَمْ ابرات وَصَبا باللَّمْسِ راحتهُ وَاطْلَقَت اربا مِّنْ ربقَةِ اللَّمَمِ
لَمَّا استفيد من البيت السابق ان الوحي والبعثة انما هو فضل الله يؤتيه من يشاء ويعلم حيث يجعل رسالته توهم ان يسال سائل عن حكمة البعث وفائدة الوحي فقال مشيرا الى فائدته: ½كم ابرات وصبا باللمس راحته... الخ¼ يعني: ان الحكمة والمصلحة في بعثه عليه السلام ابراء المرضى من مرضهم الباطني الذي طبه ومعالجته مخصوص به عليه السلام ولا سبيل الى حصوله الا من جهته عليه السلام، فان صلاح القلوب موقوف على ان يكون الطبيب عارفا بربه وباسمائه وصفاته واحكامه وافعاله، وان يكون مؤثرا برضاه