تشريف مكة بالخليل واسماعيل عليهما الصلاة والسلام فاراد الله تعالى ان يظهر شرفه عليه السلام فامره بالهجرة الى المدينة فلما هاجر اليها تشرفت به حتى اجمعوا ان الموضع الذي ضم اعضاءه الكريمة افضل من جميع البقاع.
ثم اعلم! ان خاصية هذا البيت: انه من كان في ارض مخوفة من الوحوش فليقراه سبعا او تسعا وليجعل في اطرافه دائرة، فان تلك الوحوش لاتضره، ولا تدخل داخل تلك الدائرة قال الاستاذ طول الله تعالى بقاه وجعل اخرته خيرا من اولاه جربناه مرارا فوجدناه صادقا.
٨٠ مَا سَامَنِى الدهْر ضَيْمًا وَاسْتجرت بهِ الَّا وَنِلْت جوَارا مِنْهُ لَمْ يُضَمِ
لَمَّا ذكر فيما تقدم محفوظيته عليه السلام ترقى الى بيان حافظيته في الدنيا فقال: ½ما سامني الدهر... الخ¼ ½سامني¼ من السوم بمعنى اذاقة الشدة والمحنة، ومنه قوله تعالى: ﴿ يَسُومُونَكُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذاب ﴾ [البقرة: ٤٩]، وفي بعض النسخ ½ماضامني¼ من الضيم بمعنى الظلم، وعلى كلا التقديرين فالمعنى: ما ظلمني الدهر، فان قلت: كيف يسند الظلم الى الدهر وقد نهى عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث قال: لا تسبوا الدهر فان الدهر هو الله[1]، وفي حديث ابي هريرة بلفظ ولا تقولوا خيبة الدهر[2]، وفي حديث اخر لا يسب احدكم الدهر[3] قلت: قوله: فان الدهر هو الله فيه ثلاثة تاويلات: الاول: ان المراد بهذا القول اي: المدبر للامور، والثاني: انّه على حذف مضاف اي: صاحب الدهر، والثالث: ان التقدير مقلب الدهر، وقال بعضهم: بانّه من الاسماء الحسنى، وقد وقع في القران حكاية ﴿ وَمَا يُهۡلِكُنَآ الَّا ٱلدهۡرۚ ﴾ [الجاثية: ٢٤]، وبالجملة ان النهي عن السب لكونه راجعا الى سب فاعله وخالقه، ومن اراد هذا البحث على وجه الكمال فعليه بالرجوع الى الباب الثالث والسبعين من "الفتوحات" للشيخ الاكبر. ففي اسناد سام الى الدهر مجاز اي: ما ابتلاني خالق الدهر وقوله: ½ضيما¼ مفعول مطلق من لفظ فعله على تقدير كون النسخة ½ماضامني¼، ومن غير لفظه