عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

وامنعها لانّ النفس لو وجدت في عبادة من العبادات لذة في غاية اللذات لكان فيها معصية من العجب والرياء والفخر بين القوم والورى، فيلزم جعلها مشتغلة بعبادة لا تجد فيها حلاوة لانّها لو جعلت العبادة عادة لما كان فيها نفع وفائدة، حكي عن بعض الصالحين انه قال: حججت كذا وكذا مرة فبان لي ان جميع ذلك مشوب بحظي، وذلك ان والدتي سالتني يوما ان اسقيها جرعة ماء، فثقل ذلك على نفسي، فعلمت ان مطاوعة نفسي في الحجات كانت لحظ وشرف لنفسي اذ لو كانت نفسي على خلوص لم يصعب عليها ما هو حق الشرع كذا في البريقة، والمعنى التصوفي لهذا البيت: ايها العارف بالله اجعل نفسك فانيا في الله، وحصِّل رضى الله، ولاتبق في الاعمال فان البقاء في الاعمال مرتبة الصلحاء والزهاد من الرجال، وكن مستغرقا في ملاحظة واجب الوجود، واترك رؤية القعود والسجود، فان بقيت فيها تكن محجوبا وان تركتها وبلغت الى ما فوقها تكن مطلوبا فان وراء الاعمال والاستدلال اصول الكمال وهو حقيقة الوصال، فان النفس لخباثتها احبت ان تبقى في الذكر والتفكر والتامل فعليك بالتحول ولو بالتحمل هذا.

 

٢١      كَمْ حسَّنَت لَذةً لِلْمَرءِ قَاتلَةً         مِنْ حيْث لَمْ يَدر انِّ السُّمَّ فِي الدسَمِ

 

لمّا ذكر فيما سبق قبول النفس الاتعاظ والصرف عن الهوى امر بالرعي في الاعمال ونهي عن الاسامة لو وجدت لذة في المرعى وكان سبب النهي عنها نظريا بيّنه بقوله: ½كم حسنت لذة... الخ¼ وتقرير قياسه هكذا لمّا ثبت ان النفس كثيرا ما حسنت لذة للمرء قاتلة من حيث لم يدركما ان السم لا يدرى في الدسم فالنفس ان وجدت لذة في المرعى فلا تسمها لكن المقدم مسلم، والتالي مثله، ثم اعلم انّ ½كم¼ خبرية لا استفهامية، والفرق بينهما ان قائل: كم الخبرية يكون مخبرا وقائل كم الاستفهامية يكون مستخبرا، وان ما بعد ½كم¼ الخبرية يكون اخبارا، وما بعد ½كم¼ الاستفهامية يكون انشاء، وان مميز ½كم¼ الخبرية يكون مجرورا في الاكثر، ومميز ½كم¼ الاستفهامية يكون منصوبا غالبا، و½كم¼ هنا منصوبة المحل على المصدرية اي: كثيرا بمعنى كم مرة و½حسنت¼ ماض من التحسين على صيغة التانيث، وضميره راجع الى النفس، ومعنى ½حسنت¼


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310