فَكَانُوا لِجهَنَّمَ حطَبا ﴾ [الجن: ١٥]، واراد بقوله: ½عادل¼ عادل عن الحق ومنصرف عنه انتهى. وقوله: ½من غيرها¼ ظرف مستقر صفة ½قسط¼، والضمير للايات. و½في الناس¼ متعلق بـ½لم يقم¼ قدم للضرورة، او للقسط اي: العدل فيما بين الناس. و½الناس¼ اسم للبشر، وهو اما من النسيان او من الانس، ويؤيده قوله:
وَمَا سُمَّي الانسانُ الا لانْسِه وَمَا القَلْب الا انَّه يَتقَلَّب
وانما خص الانسان بالذكر لكون احتياجهم الى القران اكثر من الجان او لشرافتهم منه، ثم ان المراد من الناس، المعهود اعني امة نبينا محمد عليه السلام دون سائر الامم بقرينة السباق واللحاق و½لم يقم¼ بمعنى لم يدم ولم يتحقق.
وحاصل معنى البيت: ان الايات البينات كالصراط في تمييز الحق من الظلمة وكالميزان من جهة العدالة ورفع الخصومات، فاذا كان كذلك فطلب العدالة في الدنيا بين الناس من غير هذا القران الذي كالمقياس لم يثبت ولم يدم بل الاجماع بين الخلق على غير ذلك لم يقم، فقيام الدنيا واهلها انّما هو بالعدالة، والعدالة قائمة بالشريعة، والشريعة انّما قامت بالقران، فلو لم تكن الايات ثابتة لما كانت الدنيا قائمة، ولما كانت الخصومات بين الخلائق دافعة.
١٠٣ لا تعْجبنْ لِّحسُوْد راح يُنْكِرهَا تجاهُلا وَهُوَ عَيْنُ الْحاذقِ الْفَهِمِ
لَمَّا توهّم ان يورد في هذا المقام سؤال من طرف بعض بان يقال: لو كانت الايات متصفة بهذه الصفات لما انكرها بلغاء قحطان ولا جحدها فصحاء عدنان؟ اجاب عن هذا السؤال بجواب مطابق للواقع وقاطع لشبهة السائل ودافع فقال: ½لا تعجبن... الخ¼ ½لا تعجبن¼ نهي حاضر مؤكد بنون مخففة اي: لا يكن لك عجب، و½لحسود¼ متعلق به، والحسود على وزن الصبور يقال: لرجل ½له حسد شديد¼، والفرق بين الحسد والغبطة ان الاول يستعمل في تمني زوال نعمة الغير او تمني تحويل نعمة الغير الى نفسه، والثاني يستعمل في تمني مثل نعمة الغير بلا تمني زوالها عنه. و½راح¼ بمعنى صار، واسمه تحته راجع الى الحسود، وجملة ½ينكرها¼ خبره، وضمير الفاعل في ½ينكر¼ راجع الى الحسود ايضا، والمفعول راجع الى الايات و½تجاهلا¼ بالنصب مفعول لـ½ينكر¼،