عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

التعليل بالخشية من الجوع دون الشبع؟ قلت: لان ضرر الشبع بديهي بين الانام كما بينه كثير من الاعلام، وقد اشار ابو سليمان الداراني الى ست نكات في الشبع، فقال: من شبع لم يجد حلاوة العبادة، وتعذر عليه حفظ الحكمة، وحصل له حرمان الشفقة على الخلق، وثقل عليه العبادة، وحصل لديه زيادة الشهوة، وان سائر المؤمنين يدورون حول المساجد والشبعان حول المزابل، وان اردت التفصيل فعليك التعويل على كتب مفصلة ومطولة، واما ضرر الجوع فخفي بل يترتب عليه فوائد عديدة ومنافع كثيرة، منها: صفاء القلب، ومنها: رفع النوم ودوام السهر، ومنها: تيسر المواظبة على العبادة، ومنها: خفة المؤنة، ومنها: التمكن بذلك من الايثار والتصدق وغير ذلك مما لايتناهى، ولذلك علل به، ثم ان ½المخمصة¼ شدة الجوع المفرط، و½شر¼ اصله اشرر، فخفت باسقاط الهمزة، وقد لحن ابو قلابة في قراءته سيعلمون غدا من الكذاب الاشر على صيغة التفضيل، ولم يوافقه احد عليها قال الحريري: شر: فيه معنى التفضيل لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث، ولايقال: اشر الا في لغة رديئة، و½التخم¼ جمع تخمة، وهي مصدر بمعنى عدم هضم الطعام مع استثقاله على صاحبه، وتعفنه في معدته، وانما كانت المخمصة شرا من التخم مع ان اتفاق العلماء على شريّة شدة الشبع وخيريّة الجوع لانّ المخمصة وشدة الجوع تورث الانسان ضعفا حتى لا يقدر على اداء العبادة قال صلى الله تعالى عليه وسلم لمعاذ: ان نفسك مطيتك فارفق بها وليس من الرفق ان تجيعها وتذيبها[1]، وقد قرر في الكتب الفقهية ان الاكل اما فرض: ان كان مقدار ما يدفع عنه الهلاك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الله ليؤجر في كل لقمة يرفعها العبد الى فمه[2] واما مندوب: ان زاد على ذلك ليتمكن من اداء الصلاة قائما، ويسهل الصوم قال عليه السلام: المؤمن القوى احب الى الله تعالى من المؤمن الضعيف[3]، وامّا مباح: لا اجر ولا وزر ان زاد على ذلك لمجرد تقوى البدن فيحاسب حسابا يسيرا، وامّا حرام: ان فوق الشبع لاضاعة المال والاسراف.


 



[1]     "المبسوط" للسرخسي، الجزء ٣٠، صـ ٣٠١.

[2]     "إحياء علوم الدين"، كتاب آداب الأكل، ٢/٣.

[3]     "صحيح مسلم"، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة... إلخ، الحديث: ٢٦٦٤، صـ ١٤٣٢.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310