عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

½بوصل¼ اشارة الى رؤيته عليه السلام ربه والمناجاة له، وقد اختلف القوم في انّه عليه السلام راى اللهَ تعالى في ليلة الاسراء بقلبه او بعين راسه، فقال بعضهم: جعل بصره في فؤاده فراى بفؤاده، فيكون معنى قوله تعالى: ﴿ مَا كَذب ٱلۡفُؤَاد مَا راىٰٓ﴾ [النجم: ١١]، على هذا ما كذب الفؤاد ما راى به الفؤاد، وقال بعضهم: راى بعينه لقوله عليه السلام: انّ الله اعطى موسى الكلام واعطاني الرؤية[1]، وقوله عليه السلام: رايت ربي في احسن صورة[2] اي: صفة. قال في "الكواشي": هذا لا حجة فيه لانّه يجوز انّه اراد الرؤية بالقلب بان زاد معرفة على غيره، وقال الحقي في "روح البيان" يقول الفقير: ايراد الرؤية في مقابلة الكلام يدل على رؤية العين لانّ موسى سالها فمنع منها، فاقتضى ان يفضل نبينا عليه السلام بما منع منه، وهو الرؤية البصرية، ولا شك انّ الرؤية القلبية يشترك فيها جميع الانبياء حتى الاولياء، وقد صح انّ موسى عليه السلام راى ربه بعين قلبه حين خر في الطور مغشيّا عليه وحمله على زيادة المعرفة لا يُجدي نفعا انتهى. وقال بعض الفضلاء: ذكر الله تعالى في الاية رؤية فؤاده عليه الصلاة والسلام، ولم يذكر رؤية العين لانّ رؤية العين سر بينه وبين حبيبه، والى هذا اشار الناظم بقوله: ½وسر ايّ مكتتم¼. والحاصل: انا نذهب الى صحة رؤيته بعينه وبقلبه لحديث رواه مسلم في صحيحه: رايت ربي بعيني وبقلبي[3]، ولكنا عاجزون عن درك كيفيتها، وفي قوله: ½سر اي مكتتم¼ اشارة الى اسرار لا تنكشف لاحد غير محمد عليه الصلاة والسلام على ما يدل عليه قوله تعالى: ﴿ فَاوۡحىٰٓ الَىٰ عَبۡدهِۦ مَآ اوۡحىٰ [النجم: ١٠]، قال بعض الفضلاء: ستر الله تعالى بعض ما اوحى الى عبده عليه السلام عن الخلق لئلا يطلع عليه غيره؛ لان ذلك من خواص محبته ومعرفته وعلو درجاته اذ بين الاحباب يجري من الاسرار ما لا يطلع عليه غيرهم من الاجانب والاغيار انتهى قال الشاعر:

لا يكتمُ السر الا كُلُّ ذي خطر        والسِّر عند كرامِ الناس مكتومُ

والسر عندي في بيت له غَلَقٌ          قَد ضَاعَ مِفْتاحه وَالباب مَختومُ


 



[1]     "كنز العمال"، كتاب القيامة، ١٤/١٩١، الحديث: ٣٩٢٠٠

[2]     "سنن الترمذي"، كتاب التفسير، باب ومن سورة ص، الحديث: ٣٢٤٥، ٥/١٥٩.

[3]     "روح البيان"، سورة النجم، الآية: ١٢، ٩/٢٢٣، ولم نجده في صحيح مسلم.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310