عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

وشاملين للرائحة الطيبة لانّ قلب العاشق اذا كان ملتهبا تنتشر منه الرائحة الطيبة على ما قاله المتصوفة، وادعى لشجرة العود فردان؛ فرد متعارف وهو شجرة العود حقيقة، وفرد غير متعارف وهو القلب، ثمّ استعير المشبه للمشبه به، ثمّ ذكر في الخارج المشبه، واريد به المشبه به، اعني: القلب، وهذه استعارة مكنية، ثم انتزع من جانب المشبه امر وهمي، وهو التهاب القلب وايقاده وكونه مكيفا بالرائحة الطيبة عند الايقاد، وشبه بالتهاب شجرة العود، ثمّ ذكر اللفظ الدال على المشبه به، وهو ½مضطرم¼ اذ هو حقيقة في شجرة العود، واريد المشبه، وهو التهاب القلب، وهذه الاستعارة تخييلية، وهذا عند السَّكَّاكِيّ، واما عند الخطيب فبان يشبه في الذهن القلب بشجرة العود، وفي الخارج اثبت ما هو من لوازم المشبه به للمشبه للاشارة والرمْز الى التشبيه في الذهن، قال المصنف: في هذا المصراع ايماء الى انّ الواشي اذا كان من قِبلِ صاحب السر فكتمان السر يتعسر عليه بل يتعذر فكيف اذا كان ذلك الواشي جزا منه خصوصا اذا كان اثنين سيّما اذا كانا متعاونين كما فيما نحن فيه انتهى.

 وحاصل معنى البيت: لا تظنّ ايها العاشق ان الحب مستتر، كيف والدمع المنسجم والقلب المضطرم شاهدان على دعوى انكشاف الحب فكيف تظن انكتام الحب، كانّ العاشق ادعى انكشاف المحبة، والشخص المجرد من نفسه انكره، فذهبا الى محكمة العشق فتحاكما عند قاضي العشق فامر القاضي باتيان شاهدين عادلين لمدعي العشق عملا بالحديث المشهور البينة على المدعي واليمين على من انكر[1]، فاتى العاشق لاثبات مدعاه بالشاهدين اللذين هما دمع العين واضطرام القلب، فشهدا، فحكم القاضي بانكشاف المحبة. فان قلت: الشاهد الاول مقبول لكن مقبولية الشاهد الثاني ممنوعة لان حاله مستور، اذ القلب لا يطلع عليه احد الا الله تعالى، قلت: الشاهد الاول يقوي الثاني لان الدمع يدل على ما في القلب كما قال بعض الفضلاء: ½اذا انفعل القلب سرى الاثر الى العين¼، فعند اشتداد الحزن تدمع، وعند اشتداد الفرح تلمع، ومن تقريرنا علم ان في هذا البيت استعارة تمثيلية حيث شبه الهيئة المنتزعة من الامور المذكورة في هذا البيت من كون الدمع المنسجم شاهدا والقلب المضطرم شاهدا اخر،


 



[1]     "مشكاة المصابيح"، كتاب الإمارة والقضاء، باب الأقضية والشهادات، الحديث: ٣٧٥٨، ٢/٣٥٣.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310