فقال: وكذلك الذباب، ثم قيل: فلان يذهب من المشرق الى المغرب في ساعة، فقال: كذلك الشيطان، فقيل له: ماالمقبول عندك؟ قال: الاستقامة في الدين، وقوله: ½فما قولي... الخ¼، الفاء للعطف، وهو معطوف على قوله: ½امرتك¼ عطف الانشائية على الخبرية لفظا وعطف الانشائية على الانشائية نظرا الى المعنى المقصود ولانّ قوله: ½امرتك¼ في الصورة اخبار وفي المعنى انشاء تحسر وتاسف على حاله كما في قوله: ½هواي مع الركب اليمانين مصعد¼، او من عطف الخبرية على الخبرية؛ لانّ معنى قوله: ½فما قولي لك¼ ما ينبغي ان اقول لك، و½ما¼ في قوله: ½فما¼ استفهامية يولد منها معنى مناسب للمقام مثل التوبيخ والتعجب والاعتراف بالقصور ومثل الانكار، وقوله: ½لك¼ متعلق بـ½القول¼، فالقول هنا بمعنى الخطاب؛ لانّه مستعمل باللام، وقوله: ½استقم¼ امر من استقام، وجملته مقول قول لـ½قولي¼ اي: فما خطابي لك بـ½استقم¼، فان قلت: اين امره بـ½استقم¼ بل هو غير موجود فلا يستقيم هذا القول؛ لانّه لم يسبق منه هذا القول؟ قلنا: وان لم يسبق منه هذا القول تصريحا لكنه قد سبق تلويحا وضمنا؛ اذ المقصود مما قبله تطويع النفس الامارة واطاعتها للنفس المطمئنة بحيث تاتمر بامرها وتنتهي بنهيها، وذلك لا يحصل الا بالاطاعة لها حتى تستقيم، وبالجملة انّه وان لم يسبق لفظ ½استقم¼ لكن سبق معناه، والمراد هاهنا معناه لا لفظه.
وحاصل المعنى: اني مسيء وعاص؛ لانّي امرتك ونصحتك بالخير مع انّي ما انتصحت وما استقمت به وقلت لك: استقم! فعجبا ما فائدته، اذ وعظ الغير المتعظ غير مؤثر في السامع كما قيل ولا يستقيم الظل والعود ’’اعوج‘‘، وكقول الشاعر:
وَغَيْر تقِيِّ النَّاسِ يَامُر بالتقَى طَبيب يُداوِي الناسَ وهْوَ مَريضُ
ولذا قيل لبعض الواعظين: عظ نفسك فان اتعظت فعظ الناس، والا فاستحيى من الله تعالى، ولكن يلزم للمؤمن ان يقبل قول كل واعظ، ولا ينظر اليه لان الحكمة ضالة للمؤمن اينما وجدها اخذها اف من شر نفسي لم احصل بها راحلة، ولم ادرك بسببها رفيقا وقافلة.