الكريم الحليم النبي المخلص الرحيم الذي احي وهو بمعنى: ترك النوم للعبادة مجازا؛ لانّ النوم يشبه الموت في انتفاء الادراك وانتفاء الانتفاع، وكذلك اليقظة تشبه الحياة ففي ½احي¼ استعارة مصرحة وتبعية حيث شبه ترك النوم للعبادة بالاحياء في الانتفاع والسرور فاستعير الاحياء لترك النوم للعبادة فذكر الاحياء واريد ترك النوم للعبادة وبتبعية هذه الاستعارة اشتق من الاحياء صيغة ½احي¼، ومن ترك النوم للعبادة صيغة ½ترك¼ او ½سهر¼ وشبه ترك بـ½احيى¼ بواسطة العلاقة في مصدرهما فذكر ½احي¼ واريد ترك النوم للعبادة، وانّما قيدنا ترك النوم بقولنا: للعبادة؛ لانّ ترك النوم للفسق والمعاصي لايعد احياء بل اماتة وخسرانا، و½الظلام¼ بالفتح ذهاب النور، والمراد به الليل مجازا من قبيل ذكر اللازم وارادة الملزوم، وايقاع ½احي¼ على ½الظلام¼ مجاز كما كان الطرفان مجازين فمعنى احيى الظلام ترك نيامه في الاوقات اللطيفة الشريفة المباركة التي يكون فيها خير الانام مشتغلا بالوحي والالهام في الليالي المظلمة الخالية عن الاغيار والرقباء المانعة وقوله: ½الى ان اشتكت... الى الانتهاء¼ متعلق بـ½احيى¼، و½ان¼ مصدرية، و½اشتكت¼ من الاشتكاء وهو اخبار المظلوم عن ظلم من لا يستطيع دفع ظلمه فاشتكت بمعنى اظهرت الشكوى، كما في قوله:
شَكَوْت وَمَا الشَّكْوَى لِمِثلِيَ عَادةً وَلَكِنْ تفِيضُ الْكَاسُ عِند امْتلائِهَا
وهاهنا ليس على معناه الاصلي بل هو الاظهار والدلالة على الوجع الناشي من العوارض البشرية والامور الحسية اي: اظهرت ودلت قدماه اي: رجلاه المكرمتان المحترمتان اللتان تراب نعلهما كحل عين العالمين، و½الضر¼ بالفتح او الضم شدة الحال وهو بالنصب مفعول ½اشتكت¼. وقوله: ½من ورم¼ حال من الضر او بيان له، و½الورم¼ بفتحتين الانتفاخ يعني: انّ النّبي صلى الله تعالى عليه وسلم لَمَّا نزل عليه الوحي اجتهد في العبادة، وكان يصلي الليل كله، ويقوم على احدى رجليه تخفيفا على الاخرى لطول القيام ويتعب نفسه كل الاتعاب حتى ورمت قدماء المحترمتان المكرمتان، وانتقلتا من الحالة الاولى الى الحالة الاخرى فانزل الله تعالى تسليةً لنفسه الشريفة وتخفيفا له عليه الصلاة والسلام ولامّته الضعيفة: ﴿ طه مَآ انزلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتشۡقَىٰٓ﴾ [طه: ١،٢] اي: ضع يا محمد قدميك على الارض ولا تتعب نفسك فان لها عليك حقا لانا ما انزلنا عليك