و½من جهلها¼ متعلق بالنفي، و½من¼ اما على معناه الاصلي اي: عدم قبولها الوعظ ناشئ من جهلها او بمعنى لام التعليل، فعلى هذا يمكن ترتيب قياس هكذا: نفسي الامارة بالسوء مااتعظت لان نفسي الامارة بالسوء جاهلة بنذير الشيب والهرم، وكل نفس شانها كذا ما اتعظت، ينتج نفسي الامارة بالسوء ما اتعظت. وقوله: ½بنذير¼ يجوز ان يكون متعلقا بـ½اتعظت¼، وان يتعلق بجهلها فيكون من قبيل تنزيل العالم منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم، و½النذير¼ اما بمعنى الانذار كالنكير بمعنى الانكار، او بمعنى المنذر كالبديع بمعنى المبدع، فعلى الاول تكون اضافته من اضافة المصدر الى فاعله، وعلى الثاني تكون من قبيل الاضافة البيانية، ويجوز ان تكون اضافته من قبيل اضافة الصفة الى موصوفها، وان اعتبرت المشابهة بين الشيب والنذير يكون من قبيل لُجيْنِ الْمَاء ½والهرم¼ عطف على ½الشيب¼، وهو بفتحتين، او بكسر الراء تناهي الشيب، وقال الخادمي: والمراد لازمه اعني: انحراف القامة، ثم اعلم: ان هذا المقام يقتضي بسطا من الكلام حتى يفهم المرام، فنقول: اولا اختلفوا في ان النفس ما هي؟ فذهب بعض المتكلمين الى انها الجسد والهيكل المحسوس، وبعضهم ذهبوا الى انها الاجسام الاصلية باقية من اول العمر الى اخره، وقال ابن الراوندي: انها اجزاء لا تتجرد عن القلب، والنظام: ذهب الى انها جسم لطيف نوراني يسري في البدن كَسَريَان النار في الفَحم، وبعض الاطباء ذهب الى انها هي القوة المودعة في الجانب الايسر من القلب، وتسمى الروح الحيواني، وعند بعض اخر منهم هي القُوَّةُ الْمُودعَةُ في الدماغ، وتسمى بالنفس الانسانية، وعند الحكماء: جوهر مجرد يتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف، والمراد هنا النفس الانسانية، وهي التي قد خاطبها الله تعالى، وجعلها موضع الامر والنهي، وهي مَعْدنُ الاخلاق الذميمة مُودعَة في جميع جسد الانسان، وهي مَجبولة على ضد الروح الرحماني التي في اعلى عِلِّيِّيْن، فانها تامر بالخير وتنهى عن الشر، فتلك النفس تابعة للارواح التي في اسفل السافلين كالشياطين الذين لا يامرون الا بالشر، ولا ينهون الا عن الخير، واما منشا خلق النفس فان الله تعالى لما نفخ الروح المخلوق بامره في جسد ادم عليه الصلاة والسلام خلق من ازدواج الروح مع الجسد وَلَدين ولدا ذكرا وهو القلب اللطيف الشبيه بوالده الذي هو الروح العُلْوِيُّ، فيامر بالخير وينهى عن الشر، وكان ذلك