منظر ربنا ذي الرحمة والغفران وبين اصبعي الرحمن وولدا انثى، وهي النفس الكثيفة الشبيهة بوالدتها التي هي الجسد السفلى، فتامر بالشر وتنهى عن الخير، وجعل موضعها جميع الجسد، ثم ان المتصوفين قالو: للنفس سبع مراتب الاولى: النفس الامارة: وهي التي تميل الى الطبيعة البدنية، وتامر باللذات والشهوات الحسية، وتجذب القلب الى الجهة السفلية، فهي ماوى الشرور ومنبع الاخلاق الذميمة لانها مبدا الكبر والحرص والشهوة والحسد والغضب والبخل والحقد، والثانية: النفس اللوامة: وهي التي تنورت بنور القلب، فتطيع العاقلة تارة، وتعصي اخرى، ثم تندم فتلوم نفسها، وهي منبع الندامة لانها مبدا الهوس والعثرة والحرص، والثالثة: النفس المطمئنة: وهي التي تنورت بنور القلب حتى تخلت عن صفاتها الذميمة، وتخلقت بالاخلاق الحميدة، والرابعة: النفس الملهمة: وهي التي الهمها الله العلم والتواضع والقناعة والسخاوة، فلذا كانت منبع الصبر والتحمل والشكر، والخامسة: النفس الراضية: وهي التي رضي الله تعالى عنها، ويظهر فيها اثر رضاه تعالى وهو الكرامة والاخلاص والذكر، والسادسة: النفس المرضية: هي التي رضيت عن الله تعالى كما قال الله تعالى: ﴿ وَرضُوا عَنۡهُۚ﴾ [البينة: ٨]، ويترك فيها الكرامات، ويعرف فيها الله تعالى حق معرفته، والسابعة: النفس الصالحة: وهي التي مقام الاسرار بين الله تعالى وبينها، ثم ان الاولى نفس الكافرين والشياطين والفاسقين، والثانية نفس الغير الفاسقين من المؤمنين، والثالثة نفس المتعلمين العاملين، والرابعة نفس المعلمين العاملين، والخامسة نفس الاولياء الكرام، والسادسة نفس العارفين، والسابعة نفس الانبياء والمرسلين، ونفس الناظم الفاهم من قبيل الخامسة لانه ولي كامل ذو الكرامة والفخامة، وعد نفسه من نفس الفاسقين لهضم نفسه كما قال يوسف عليه السلام هضما لنفسه: ﴿۞وَمَآ ابرئُ نَفۡسِيٓۚ انَّ ٱلنَّفۡسَ لَامَّارةُۢ بٱلسُّوٓءِ ﴾ [يوسف: ٥٣]، ولانّ فيه سلوكا الى طريق المنصف كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا لِيَ لَآ اعۡبد ٱلَّذي فَطَرنِي وَالَيۡهِ ترۡجعُونَ ﴾ [يس: ٢٢] لكون هذه الطريقة عجيبة الشان في البلاغة لانه يكون اكثر ايقاظا لاصغاء السامعين، واقوى ذريعة لقبولهم من حيث انه لايخاطب بما يمجه سماعهم، ولا ينفر منه طباعهم، اللهم اجعلنا ممن نفوسهم راضية، وقلوبهم وجلة، وارحمنا حين وصلت الروح الى الحلقوم، وصعدوا بها الى الحي القيوم.