الشيطان الذي من الانس يامر ايضا بالسوء، فتلزم المخالفة لامره بل لا تجوز المقارنة به؛ لانّ الطبيعة سارية الا ترى انّ العلماء امروا بالمباعدة عن الكسلان فكيف عن اهل العصيان، فان قلت: لم قدم النفس على الشيطان مع ان عداوة الشيطان ثابتة في كل الزمان؟ قلت: امّا لانّ النفس عدوّ في الداخل لا يفارق الانسان في كلّ حالاته حتى الذكر والعبادة فتكون عداوته اشد من الشيطان؛ لانّه عدوّ من الخارج يدفع شره بالاستعاذة والذكر والثناء والشكوى الى صاحبه؛ لانّه كلب الله، فيشتكي من شره الى الله تعالى فيخلص منه باذن الله تعالى بخلاف النفس؛ وامّا لانّ النفس وان كانت عدوا لكنّه محبوب، والانسان عن عيب محبوبه عمي، كما قال الشاعر:
وعين الرضا عن كلِّ عيب كليةٌ ولكنّ عين السُّخط تبدي المساويا
ويلزم في النفس عدم القهر بالكلية لانّها مطيّة المرء في الايصال الى المقصد فمن قهرها تذله في السبيل وعدم الموافقة لها بالكلية، فمن وافقها تضله عن سبيله، فالخلاص، الاعتدال بينهما، واما الشيطان فعداوته خالصة لا يشوبها محبة اصلا لانه عدو قديم حيث بدا العداوة مع ابينا ادم عليه الصلاة والسلام فقال: ﴿يَٰٓـَٔادمُ هَلۡ ادلُّكَ عَلَىٰ شَجرةِ ٱلۡخلۡد وَمُلۡكٖ لَّا يَبۡلَىٰ﴾ [طه: ١٢٠]، وعدوّ الاب لا يكون لابنه محبا وقوله: ½واعصمها¼ عطف على ½خالف¼ فان قلت: هذا القول اي: واعصهما، مستدرك لانّ الامر بالمخالفة لهما يستلزم عصيانهما؟ قلت: انّ العصيان اعمّ من المخالفة؛ لانّ العصيان ترك الانقياد سواء امر بفعل او نهي عنه فتركه او لم يؤمر ولم ينه فتركه، والمخالفة انما تكون بترك الفعل الذي امر به او بفعل الفعل الذي نهي عنه فيكون هذا العطف من قبيل عطف العام على الخاص فلا استدراك، ويجوز الجواب: بانّ يكون كل واحد من المخالفة والعصيان بالنظر الى كل واحد من الامر والنهي يعني ان يكون ½خالف¼ مختصا بالمخالفة لامرهما ويكون ½واعص¼ مختصا بالعصيان لنهيهما فيصح حينئذ العطف لكن فيه ما فيه، وقوله: ½وان هما¼ ½ان¼ شرطية، وضمير التثنية راجع الى النفس والشيطان، و½محضاك¼ ماض من التمحيض او من المحض بمعنى التخليص اي: اخلصاك، و½النصح¼ بالنصب مفعول ثان لـ½محضا¼، والنصح: اراءة الخير للغير، وقوله: ½فاتهم¼ الفاء للجزائية، و½اتهم¼ امر من التهمة اي: احمل نصحهما على التكذيب، فان قلت: هل يكون للنفس والشيطان