فصَاحَ بِي صَائِحٌ، فرَأَيْتُ الشيخَ فقُلْتُ له: يا شيخُ سأَلْتُكَ أَنْ تُجِيرَني مِن هذا التِّنِّينِ فلَم تَفْعَلْ؟ فبَكَى الشيخُ، وقالَ: أنَا ضَعِيفٌ ولكن سِرْ إلى هذا الْجَبَلِ، فإنّ فيه لِلمُسلِمِين وَدَائِعَ، فإنْ كانت لَكَ فيه وَدِيعَةٌ فستَنْصركَ فنَظَرْتُ إلى جَبَلٍ مُسْتَدِيرٍ فيه كوًى مُخَرَّقَةٌ وسُتُورٌ مُعَلَّقَةٌ، على كُلِّ كَوَّةٍ مِصْرَاعَانِ مِن الذَّهَب الأَحْمَرِ مُرَصَّعَةٌ بالْيَاقُوتِ مُكَلَّلَةٌ بالدُّرِّ، وعلى كُلِّ مِصْرَاعٍ سِتْرُ الْحَرِيرِ، فلَمَّا نَظَرْتُ إلى الْجَبَلِ هَرَبْتُ إليهِ والتِّنِّينُ وَرَائِي، حتّى إذا قَرُبْتُ منه صاحَ بَعضُ الْمَلائِكَةِ: اِرْفَعُوا السُّتُورَ وافْتَحُوا الْمَصَارِيعَ وأَشْرِفُوا، فلَعَلَّ لِهذا الْبائِسِ فيكُم وَدِيعَةً تُجِيرُهُ مِنْ عَدُوِّهِ، فإذَا السُّتُورُ قد رُفِعَتْ، والْمَصَارِيعُ قد فُتِحَتْ، فأَشْرَفَ عليّ أطفالٌ بوُجُوهٍ كالأَقْمَارِ فإذَا بابْنَتِي الَّتِي ماتَتْ قد أَشْرَفَتْ عليَّ مَعَهُم، فلَمَّا رَأَتْنِي بَكَتْ وقالتْ: أَبي وَالله، ثم وَثَبَتْ في كفَّةٍ مِنْ نُورٍ كَـرَمْيَةِ السَّهْمِ حَتَّى مَثُلَتْ بَيْنَ يَدَيَّ، فمَدَّتْ يَدَهَا الشِّمَالَ إلى يدِي اليَمِينِ فتَعَلَّقَتْ بها، ومَدَّتْ يَدَهَا اليَمِينَ إلى التِّنِّينِ فوَلَّى هارِبًا، ثم أَجلَسَتْني وقَعَدَتْ في حِجْرِي، وضَرَبَتْ بيَدِهَا اليَمِينِ إلى لِحْيَتِي وقالَتْ: يا أَبَتِ! أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ