بنذر اعتكاف أيام ولزمته الأيام بنذر الليالي متتابعة وإن لم يشترط التتابع في ظاهر الرواية ولزمته ليلتان بنذر يومين وصح نية النُهُر خاصة دون الليالي وإن نذر اعتكاف شهر ونوى النهر خاصة أو الليالي خاصة لا تعمل نيته إلا أن يصرح بالاستثناء. والاعتكاف مشروع بالكتاب والسنة وهو من أشرف الأعمال إذا كان عن إخلاص ومن محاسنه أن فيه تفريغ القلب من أمور الدنيا
لزمته الأيام (بنذر اعتكاف أيام)؛ لأن ذكر الأيام بلفظ الجمع يدخل فيها ما بإزائها من الليالي وتدخل الليلة الأولى فيدخل المسجد قبل الغروب من أول ليلة ويخرج منه بعد الغروب من آخر أيامه (ولزمته الأيام بنذر الليالي متتابعة وإن لم يشترط التتابع في ظاهر الرواية)؛ لأن مبنى الاعتكاف على التتابع وتأثيره([1]) أن ما كان متفرقا في نفسه لا يجب الوصل فيه إلا بالتنصيص وما كان متصل الأجزاء لا يجوز تفريقه إلا بالتنصيص (ولزمته ليلتان بنذر يومين) فيدخل عند الغروب كما ذكرنا؛ لأن المثنى في معنى الجمع فيلحق به هنا احتياطا (وصح نية النُهر) جمع نهار (خاصة) بالاعتكاف إذا نوى تخصيصه بالأيام (دون الليالي) إذا نذر اعتكاف دون شهر؛ لأنه نوى حقيقة كلامه فتعمل نيته كقوله نذرت اعتكاف عشرين يوما ونوى بياض النهار خاصة منها صحت نيته (وإن نذر اعتكاف شهر) معين أو غير معين (ونوى النُهُر خاصة أو الليالي خاصة لا تعمل نيته إلا أن يصرح بالاستثناء) اتفاقا؛ لأن الشهر اسم لمقدر يشتمل على الأيام والليالي وليس باسم عام كالعشرة على مجموع الآحاد فلا ينطلق على ما دون ذلك العدد أصلا كما لا تنطلق العشرة على الخمسة مثلا حقيقة ولا مجازاً أما لو قال شهرا بالنهر دون الليالي لزمه كما قال وهو ظاهر أو استثنى فقال إلا الليالي؛ لأن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا فكأنه قال ثلاثين نهارا ولو استثنى الأيام لا يجب عليه شيء؛ لأن الباقي الليالي المجردة ولا يصح فيها لمنافاتها شرطه وهو الصوم هذا من فتح القدير بعناية المولى النصير. (والاعتكاف مشروع بالكتاب) لما تلونا من قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَٰكِفُونَ فِي ٱلۡمَسَٰجِدِ ﴾[البقرة: ١٨٧] فالإضافة إلى المساجد المختصة بالقرب وترك الوطء المباح لأجله دليل على أنه قربة (والسنة) لما روى أبو هريرة وعائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله تعالى وقال الزهري رضي الله عنه : عجبا من الناس كيف تركوا الاعتكاف ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه وما ترك الاعتكاف حتى قبض وأشار إلى ثبوته بضرب من المعقول فقال (وهو من أشرف الأعمال إذا كان عن إخلاص) لله تعالى؛ لأنه منتظر للصلاة وهو كالمصلي وهي حالة قرب وانقطاع([2])، ومحاسنها لا تحصى (ومن محاسنه أنّ فيه تفريغ الـقلب من أمـور الـدنيا)