تنقسم النجاسة إلى قسمين غليظة وخفيفة فالغليظة كالخمر والدم
(باب الأنجاس والطهارة عنها) لمّا فرغ من بيان النجاسة الحكمية([1]) والطهارة عنها شرع في بيان الحقيقية ومزيلها وتقسيمها ومقدار المعفوّ منها وكيفية تطهير محلّها, وقدّمت الأولى لبقاء المنع عن المشروط بزوالها ببقاء بعض المحل وإن قَلَّ من غير إصابة مزيلها بخلاف الثانية فإنّ قليلها عفو بل الكثير للضرورة, والأنجاس جمع نَجَس بفتحتين اسم لعين مستقذرة شرعاً وأصله مصدر ثمّ استعمل اسماً في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ﴾ [التوبة: ٢٨] ويطلق على الحكميّ والحقيقيّ ويختصّ الخبث بالحقيقيّ ويختصّ الحدث بالحكميّ . فالنجس بالفتح اسم ولا تلحقه التاء وبالكسر صفة وتلحقه التاء . والتطهير إمّا إثبات الطهارة بالمحلّ أو إزالة النجاسة عنه ويفترض فيما لا يعفى منها وقد ورد أنّ أوّل شيء يسأل عنه العبد في قبره الطهارة([2])، وأنّ عامَّة عذاب القبر من عدم الاعتناء بشأنها والتحرّز عن النجاسة خصوصاً البول, وقد شرع في بيان حقيقتها فقال (تنقسم النجاسة([3])) الحقيقية (إلى قسمين) أحدهما نجاسة (غليظة) باعتبار قلّة المعفوّ عنه منها لا في كيفية تطهيرها؛ لأنّه لا يختلف بالغلظ والخفَّة (و) القسم الثاني نجاسة (خفيفة) باعتبار كثرة المعفوّ عنه منها بما ليس في المغلظة لا في التطهير وإصابة الماء والمائعات؛ لأنّه لا يختلف تنجيسها بهما. (فالغليظة كالخمر) وهي التي من ماء العنب إذا غلى واشتَدَّ وقذف بالزبد وكانت غليظة لعدم معارضة نصّ بنجاستها كالدم المسفوح عند الإمام والخفيفة لثبوت المعارض كـقـوله صلّى الله عليه وسلّـم: ½اسـتـنـزهـوا مـن البـول¼ مـع خـبـر العُـرْنَيين الدال على طهارة بول الإبل([4]). (والدم
[1] قوله: [النجاسة الحكميّة] أي: الحدث الأصغر والأكبر والحيض والنفاس. ١٢
[2] قوله: [في قبره الطهارة] لقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: ½اتقوا البول فإنّه أوّل ما يحاسب به العبد في القبر¼، أخرجه الطبراني في الكبير، ٨/١٣٣. ١٢
[3] قوله: [النجاسة] قال الإمام أحمد رضا خان عليه رحمة الرحمن: إنّ الأصل في الشريعة المطهّرة هو الطهارة والحلّة إلاّ في بعض الأشياء فإنّ الأصل فيها هو الحرمة كالدماء والفروج والمضار والخبائث. ("الفتاوى الرضوية" المخرجة، ٤/٤٧٦، من المتن والهامش كليهما، ٥/٥٢٢).١٢
[4] قوله: [بول الإبل] خبر العرنيين: عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قدم أناس من عكل أو عرينة، فاجتووا المدينة، فأمرهم النّبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا فلمّا صحوا قتلوا راعي النّبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم واستاقوا النعم فجاء الخبر في أوّل النهار فبعث في آثارهم فلمّا ارتفع النهار جيئ بهم فأمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم وألقوا في الحرّة يستسقون فلا يسقون قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله. أخرجه البخاري في الوضوء، باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها.١٢ "صحيح البخاري"، ١/١٠٠.