عنوان الكتاب: نور الإيضاح مع مراقي الفلاح

وللوقوف بمزدلفة غداة يوم النحر وعند دخول مكة لطواف الزيارة ولصلاة كسوف واستسقاء وفزع وظلمة وريح شديد.

على حضرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم (و) ندب (للوقوف بمزدلفة) لأنّه ثاني الجَمْعين ومحلُّ إجابة دعاء سيّد الكونين بغفران الدماء والمظالم لأمّته (غداة يوم النحر) بعد طلوع فجره؛ لأنّ به يدخل وقت الوقوف بالمزدلفة ويخرج قبيل طلوع الشمس (وعند دخول مكة) شرَّفها الله تعالى (لطواف) ما ولطواف (الزيارة) فيؤدّي الطوّاف بأكمل الطهارتين ويقوم بتعظيم حرمة البيت الشريف (و) يندب (لصلاة كسوف) الشمس وخسوف القمر لأداء سنّة صلاتهما (واستسقاء) لطلب نزول الغيث رحمة للخلق بالاستغفار والتضرّع والصلاة بأكمل الطهارتين (و) لصلاة من (فزع) من مخوف التجاء إلى الله وكرمه لكشف الكرب عنه (و) من (ظلمة) حصلت نهاراً (و) من (ريح شديد) في ليل أو نهار؛ لأنّ الله تعالى أهلك به من طغى كقوم عاد فيلتجئ المتطهّر إليه ويندب للتائب من ذنب وللقادم من سفر وللمستحاضة إذا انقطع دمها ولمن يراد قَـتْـلُـهُ ولرمي الجمار ولمن أصابته نجاسة وخفي مكانها فيغسل جميع بدنه وكذا جميع ثوبه احتياطاً.

(تنبيه عظيم) لا تنفع الطهارة الظاهرة إلاّ مع الطهارة الباطنة بالإخلاص لله والنزاهة عن الغلِّ والغشِّ والحقد والحسد وتطهير القلب عمّا سوى الله من الكونين فيعبده لذاته لا لعلة مفتقراً إليه وهو يتفضَّلُ بالمنّ بقضاء حوائجه المضطر بها عطفاً عليه فيكون عبداً فرداً للمالك الأحد الفرد الذي لا يسترقك شيء من الأشياء سواه ولا يستملك هواك عن خدمتك إيّاه قال الحسن البصري رحمه الله تعالى:

 

رُبَّ مَسْتُوْرٍ([1]) سَبَتْهُ شهوتُه
صاحب الشهوة عبدٌ فإذا

 

قد عَري عن ستره وانهتكا
ملك الشهوة أضحى مَلِكاً

فإذا أخلص لله وبما كلّفه به وارتضاه قام فأدَّاه حفَّته العناية حيثما توجّه وتيمّم وعلمه ما لم يكن يعلم.


 



[1]       قوله: [ربّ مستور... إلخ] أي: كثيراً ما يقع ذلك وهو من الرمل. قوله: ½سبته شهوته¼ أي: جعلته مَسْبِبًّا لها وأسيراً والمقصود أنّه صار لا يخالفها. قوله: ½قد عري¼ بكسر الراء بمعنى نزع ثيابه والياء ساكنة للضرورة. قوله: ½وانهتكا¼ ألفه للإطلاق وهو عطف لازم على عري. قوله: ½صاحب الشهوة عبد¼ أي: ملازمها والمتصف بها كالعبد في الانقياد إلى غيره والذل له. قوله: ½فإذا ملك الشهوة¼ بأن خالف النفس والشيطان فيما يأمران به. قوله: ½أضحى ملكاً¼ أي: في الدارين وهو بكسر اللام لذكر العبد أولا ويحتمل أن يكون بفتحها وهو على التشبيه يعني: أنّه في الدرجة كالملائكة، وقد خلق الله تعالى عالم الأرواح، وقسّمه أقساماً ثلاثة: فمنهم من جعل فيه العقل دون الشهوة، وهم الملائكة. ومنهم من عكسه: وهم البهائم. ومنهم من جمعهما فيه: وهم بنو آدم فإن غلب عقله شهوته ألحق بالأوّل أي: الملائكة، بل قد يكون أفضل، وإن غلبت شهوته عقله ألحق بالثاني أي: البهائم بل قد يكون أرذل ﴿ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ[الفرقان: ٤٤]. ط.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

396