الهدي محله، وقال مالك وغيره: ينحر هديه ويحلق في أيّ موضع كان[1] ولا قضاء عليه؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا وحلوا من كلّ شيء قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت ثم لم يذكر أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أحداً أن يقضى شيئاً[2] ولا يعودوا له والحديبية خارج من الحرم.
١٨١٣ - عن نافع أنّ عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: حين خرج إلى مكة معتمراً في الفتنة إن صددت عن البيت[3] صنعنا كما صنعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأهل بعمرة من أجل أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أهل بعمرة عام
[1] قوله: (ويحلق في أيّ موضع كان): من حلّ أو حرم به قالت الشافعية، وقلنا: لا ينحر في حلّ ولكن يبعثه إلى الحرم إن أحصر عنه. فإنّ هذا الدم لم يعرف قربة إلاّ في زمان مخصوص ومكان مخصوص فلا يقع قربة دونه وإليه يشير قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥ ﴾ ]البقرة: ١٩٦[ فعلم أنّه لا يقع به التحلل ما لم يبلغ الهدي محلّه فلا يقع حينئذ قربة مع أنّ الهدي ما يهدى إلى الحرم.
أقول: فهذا ثلاث دلائل الأوّل منها كاف شاف، عن الكدورات صاف، وأما الاستدلال بالكريمة فأقول: في قلبي منه شيء فلهم أن يقولوا محلّه إذا أحصر حيث أحصر، وأيّ دليل قام على إبطاله فكأنّه أوّل النزاع، وما قيل: إنّ الهدي ما يُهدى إلى الحرم، فأقول: لا يُجدي شيئاً فإنّ الإحصار قليل الوقوع ويكفي للتسمية الغلبة والله أعلم، قال مالك: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية وهو من الحلّ ولم يأمر بالقضاء.
أقول: نصفه في الحلّ والنصف الآخر في الحرم فكان الحديث مجملاً لا يستدلّ به وهاهنا كلام طويل لا نذكره مخافة الإطناب، والله تعالى أعلم بالصواب.
[2] قوله: (أن يقضى شيئاً): ولو لم يجز لهم النحر في الحلّ لأمرهم بالقضاء.
[3] قوله: (إن صددت عن البيت): ووجه ذكر حديث ابن عمر في هذا الباب شهرة قصة صدّ المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم وأنّهم لم يؤمروا بالقضاء في ذلك، علامة قسطلاني رضي الله تعالى عنه.